حديث أبي أمامة قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا لحقنا عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة إزار ورداء قد أسبل، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأخذ بناحية ثوبه ويتواضع لله عز وجل ويقول: عبدك وابن عبدك وأمتك حتى سمعها عمرو فقال: يا رسول الله إني أحمش الساقين فقال: يا عمرو إن الله تعالى قد أحسن كل شئ خلقه، يا عمرو إن الله لا يحب المسبل. والحديث رجاله ثقات وظاهره أن عمرا لم يقصد الخيلاء، وقد عرفت ما في حديث الباب من قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر: إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء وهو تصريح بأن مناط التحريم الخيلاء، وأن الاسبال قد يكون للخيلاء وقد يكون لغيره فلا بد من حمل. قوله: فإنها من المخيلة في حديث جابر بن سليم على أنه خرج مخرج الغالب، فيكون الوعيد المذكور في حديث الباب متوجها إلى من فعل ذلك اختيالا، والقول بأن كل إسبال من المخيلة أخذا بظاهر حديث جابر ترده الضرورة، فإن كل أحد يعلم أن من الناس من يسبل إزاره مع عدم خطور الخيلاء بباله، ويرده ما تقدم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر لما عرفت وبهذا يحصل الجمع بين الأحاديث وعدم إهدار قيد الخيلاء المصرح به في الصحيحين وقد جمع بعض المتأخرين رسالة طويلة جزم فيها بتحريم الاسبال مطلقا، وأعظم ما تمسك به حديث جابر. وأما حديث أبي أمامة فغاية ما فيه التصريح بأن الله لا يحب المسبل، وحديث الباب مقيد بالخيلاء، وحمل المطلق على المقيد واجب، وأما كون الظاهر من عمرو أنه لم يقصد الخيلاء فما بمثل هذا الظاهر تعارض الأحاديث الصحيحة، وسيأتي ذكر المقدار الذي يعد إسبالا وذكر عموم الاسبال لجميع اللباس. ومن الأحاديث الدالة على أن الاسبال من أشد الذنوب ما أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قلت: من هم يا رسول الله فقد خابوا وخسروا؟ فأعادها ثلاثا قلت: من هم خابوا وخسروا؟ قال: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب أو الفاجر وما أخرجه أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة قال:
بينما رجل يصلي مسبلا إزاره فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اذهب فتوضأ فذهب فتوضأ ثم جاء قال: اذهب فتوضأ، فقال له رجل: يا رسول الله ما لك أمرته أن يتوضأ ثم سكت عنه؟ قال: إنه صلى وهو مسبل إزاره وإن الله لا يقبل صلاة رجل