قد الكف وسنده جيد لولا إرساله. ودل مفهوم قوله (جامدا) أن لو كان مائعا تنجس كله لعدم تميز ما لاقاها مما لم يلاقها. ودل أيضا على أنه لا ينتفع بالدهن المتنجس في شئ من الانتفاعات، إلا أنه تقدم الكلام في ذلك وأنه يباح لانتفاع به غير الأكل ودهن الآدمي فيحمل هذا وما يأتي من قوله فلا تقربوه على الأكل والدهن للآدمي جمعا بين مقتضى الأدلة، نعم وأما مباشرة النجاسة فهو وإن كان غيره جائز إلا لازالتها عما وجب أو ندب إزالتها عن فإنه لا خلاف في جوازه لأنه لدفع مفسدتها، وبقي الكلام في مباشرتها لتسجير التنور وإصلاح الأرض بها، فقيل هو طلب مصلحتها وأنه يقاس جواز المباشرة له على المباشرة لإزالة مفسدتها، والأقرب أنها تدخل إزالة مفسدتها، تحت جلب مصلحتها، فتسجير التنور بها يدخل فيه الامر أن إزالة مفسدة بقاء عينها وجلب المصلحة لنفعها في التسخير، وحينئذ فجواز المباشرة للانتفاع لا إشكال فيه.
8 - (وعن هريرة رضى الله عن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وقعت الفارة في السمن فإن كان جامدا فألقوها وما حولها وإن كان مائعا فلا تقربوه. رواه أحمد وأبو داود، وقد حكم عليه البخاري وأبو حاتم بالوهم) وذلك لأنه قال الترمذي: سمعت البخاري يقول: هو خطأ والصواب الزهري عن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما عن ميمونة رضي الله عنها، فرأى البخاري أن ثابت عن ميمونة، فحكم بالوهم على الطريق المروية عن أبي هريرة، وجزم ابن حبان في صحيحة بأنه ثابت من الوجهين.
واعلم أن هذا الاختلاف إنما هو لتصحيح اللفظ الوارد، وأما الحكم فهو ثابت وأن طرحها وما حولها والانتفاع بالباقي لا يكون إلا في الجامد وهو ثابت أيضا في صحيح البخاري بلفظ خذوها وما حولها وكلوا سمنكم) ويفهم منه أن الذائب يلقى جميعه، إذ العلة مباشرة الميتة ولا اختصاص في الذائب بالمباشرة، وتميز البعض عن البعض، وظاهر الحديث أنه لا يقرب السمن المائع ولو كان في غاية الكثرة، وقد تقدم وجه الجمع بينه وبين حديث الطحاوي قال الامام يحيى وقواه المهدى، وقال: إذ لم عن السلف منعها انهى. قلت: بل واجب قال الامام يحيى وقواه المهدى وقال: إذ لم يعهد عن السلف منعها انتهى قلت. بل واجب إن لم يطعمه غيرها كما يدل له حديث (إن امرأة دخلت النار في هرة) وعلله بأنها لم تطعمها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض) وفى خشاش الأرض ما هو محرم على المكلف وغيره.
فالحديث دل على أن أحد الامرين إطعامها أو تركها تأكل من خشاش الأرض واجب وبسبب تركه عذبت المرأة. وخشاش الأرض بالخاء المعجمة المفتوحة فشين معجمة: هي هوام الأرض وحشراتها كما في النهاية:
9 - (وعن أبي الزبير) هو أبو الزبير محمد بن مسلم المكي تابعي، روى عن جابر ابن عبد الله كثيرا (قال: سألت جابرا عن ثمن السنور) بكسر المهملة وتشديد النون: هو الهر والنسائي، وزاد: إلا كلب صيد) وأخرج مسلم هذا من حديث جابر ورافع بن خديج وزاد النسائي في رواية استثناء الصيد ثم قال: هذا منكر قال المصنف في التخليص