بالعقد. والمراد من ذلك اعتبار رضاها وهو معنى أحقيتها بنفسها من وليها في الأحاديث.
وقوله: البكر أراد بها البكر البالغة وعبر هنا بالاستئذان وعبر في الثيب بالاستئمار إشارة إلى الفرق بينهما. وأنه يتأكد مشاورة الثيب ويحتاج الولي إلى صريح القول بالاذن منها في العقد عليها. والاذن من البكر دائر بين القول والسكوت بخلاف الامر فإنه صريح في القول وإنما اكتفي منها بالسكوت لأنها قد تستحي من التصريح. وقد ورد في رواية عائشة قالت: يا رسول الله إن البكر تستحي قال: رضاها صماتها أخرجه الشيخان. ولكن قال ابن المنذر يستحب أن يعلم أن سكوتها رضا. وقال ابن شعبان: يقال لها ثلاثا: إن رضيت فاسكتي وإن كرهت فانطقي فأما إذا لم تنطق ولكنها بكت عند ذلك فقيل: لا يكون سكوتها رضا مع ذلك وقيل: لا أثر لبكائها في المنع إلا أن يقترن بصياح ونحوه وقيل: يعتبر الدمع هل هو حار فهو يدل على المنع أو بارد فهو يدل على الرضا. والأولى أن يرجع إلى القرائن فإنها لا تخفى والحديث عام للأولياء من الأب وغيره في أنه لا بد من إذن البكر البالغة وإليه ذهب الهادوية والحنفية وآخرون عملا بعموم الحديث هنا وبالخاص الذي أخرجه مسلم بلفظ: والبكر يستأذنها أبوها. ويأتي ذكر الخلاف في ذلك واستيفاء الكلام عليه في شرح الحديث الآتي:
14 - (وعن ابن عباس رضي الله عنه: أن النبي (ص) قال: الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر وإذنها سكوتها رواه مسلم، وفي لفظ) أي من رواية ابن عباس (ليس للولي مع الثيب أمر، واليتيمة تستأمر رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان). تقدم الكلام على أن المراد بأحقية الثيب بنفسها اعتبار رضاها كما تقدم على استئمار البكر وقوله: ليس للولي مع الثيب أمر أي إن لم ترض لما سلف من الدليل على اعتبار رضاها وعلى أن العقد إلى الولي وأما قوله: واليتيمة تستأمر. فاليتيمة في الشرع الصغيرة التي لا أب لها وهو دليل للناصر والشافعي في أنه لا يزوج الصغيرة إلا الأب لأنه صلى الله عليه وسلم قال: تستأمر اليتيمة ولا استئمار إلا بعد البلوغ إذ لا فائدة لاستئمار الصغيرة. وذهب الحنفية إلى أنه يجوز أن يزوجها الأولياء مستدلين بظاهر قوله تعالى: * (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) * الآية، وما ذكر في سبب نزولها في أن يكون في حجر الولي يتيمة ليس له رغبة في نكاحها وإنما يرغب في مالها فيتزوجها لذلك، فنهوا وليس بصريح في أن ينكحها صغيرة لاحتمال أنه يمنعها الأزواج حتى تبلغ ثم يتزوجها. قالوا: ولها بعد البلوغ الخيار قياسا على الأمة فإنها تخير إذا أعتقت وهي مزوجة والجامع حدوث ملك التصرف ولا يخفى ضعف هذا القول وما يتفرع من جواز الفسخ وضعف القياس.
ولهذا قال أبو يوسف: لا خيار لها مع قوله: بجواز تزويج غير الأب لها كأنه لم يقل بالخيار لضعف القياس فالأرجح ما ذهب إليه الشافعي.
15 - (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول (ص):