الركن الثالث: وهو الواجب في الغصب، والواجب على الغاصب إن كان المال قائما عنده بعينه لم تدخله زيادة ولا نقصان أن يرده بعينه، وهذا لا اختلاف فيه، فإذا ذهبت عينه فإنهم اتفقوا على أنه إذا كان مكيلا أو موزونا أن على الغاصب المثل، أعني مثل ما استهلك صفة ووزنا. واختلفوا في العروض فقال مالك: لا يقضي في العروض من الحيوان وغيره إلا بالقيمة يوم استهلك. وقال الشافعي وأبو حنيفة وداود: الواجب في ذلك المثل، ولا تلزم القيمة إلا عند عدم المثل. وعمدة مالك حديث أبي هريرة المشهور عن النبي (ص): من أعتق شقصا له في عبد قوم عليه الباقي قيمة العدل الحديث، ووجه الدليل منه أنه لم يلزمه المثل وألزمه القيمة. وعمدة الطائفة الثانية قوله تعالى: * (فجزاء مثل ما قتل من النعم) * ولان منفعة الشئ قد تكون هي المقصودة عند المتعدى عليه، ومن الحجة لهم ما خرجه أبو داود من حديث أنس وغيره أن رسول الله (ص) كان عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين جارية بقصعة لها فيها طعام، قال: فضربت بيدها فكسرت القصعة، فأخذ النبي (ص) الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى وجعل فيها جميع الطعام وهو يقول: غارت أمكم كلوا كلوا، حتى جاءت قصعتها التي في بيتها، وحبس رسول الله (ص) القصعة حتى فرغوا، فدفع الصفحة الصحيحة إلى الرسول، وحبس المكسورة في بيته وفي حديث آخر: أن عائشة كانت هي التي غارت وكسرت الاناء، وأنها قالت لرسول الله (ص): ما كفار ما صنعت؟ قال: إناء مثل إناء، وطعام مثل طعام.
الباب الثاني: في الطوارئ والطوارئ على المغصوب إما بزيادة وإما بنقصان، وهذان إما من قبل المخلوق، وإما من قبل الخالق. فأما النقصان الذي يكون بأمر من السماء فإنه ليس له إلا أن يأخذه ناقصا، أو يضمنه قيمته يوم الغصب، وقيل إن له أن يأخذه ويضمن الغاصب قيمة العيب. وأما إن كان النقص بجناية الغاصب فالمغصوب مخير في المذهب بين ان يضمنه القيمة يوم الغصب أو يأخذه، وما نقصته الجناية يوم الجناية عند ابن القاسم. وعند سحنون ما نقصته الجناية يوم الغصب، وذهب أشهب إلى أنه مخير بين أن يضمنه القيمة أو يأخذه ناقصا، ولا شئ له في الجناية كالذي يصاب بأمر من السماء، وإليه ذهب ابن المواز. والسبب في هذا الاختلاف: أن من جعل المغصوب مضمونا على الغاصب بالقيمة يوم الغصب جعل ما حدث فيه من نماء أو نقصان، كأن حدث في ملك صحيح، فأوجب له الغلة ولم يوجب عليه في النقصان شيئا سواء