الذي لم يدبر ثلاث خيارات: إن شاء استمسك بحصته، وإن شاء استسعى العبد في قيمة الحصة التي له فيه وإن شاء قومها على شريكه إن كان موسرا، وإن كان معسرا استسعى العبد، وقال الشافعي: يجوز التدبير ولا يلزم شئ من هذا كله، ويبقى العبد المدبر نصفه أو ثلثه على ما هو عليه، فإذا مات مدبره عتق منه ذلك الجزء ولم يقوم الجزء الباقي منه على السيد على ما يفعل في سنة العتق، لان المال قد صار لغيره وهم الورثة. وهذه المسألة هي من الاحكام لامن الأركان، أعني أحكام المدبر فلتثبت في الاحكام. وأما المدبر فاتفقوا على أن من شروطه أن يكون مالكا تام الملك غير محجور عليه سواء أكان صحيحا أو مريضا، وأن من شرطه أن لا يكون ممن أحاط الدين بماله، لأنهم اتفقوا على أن الدين يبطل التدبير. واختلفوا في تدبير السفيه. فهذه هي أركان هذا الباب. وأما أحكامه فأصولها راجعة إلى أجناس خمسة: أحدها: ماذا يخرج المدبر، هل من رأس المال أو الثلث؟. والثاني: ما يبقى فيه من أحكام الرق مما ليس يبقى فيه، أعني ما دام مدبرا. والثالث: ما يتبعه في الحرية مما ليس يتبعه. الرابع: مبطلات التدبير الطارئة عليه. والخامس: في أحكام تبعيض التدبير.
الجنس الأول فأما مماذا يخرج المدبر إذا مات المدبر؟ فإن العلماء اختلفوا في ذلك، فذهب الجمهور إلى أنه يخرج من الثلث، وقالت طائفة: هو من رأس المال معظمهم أهل الظاهر، فمن رأى أنه من الثلث شبهه بالوصية، لأنه حكم يقع بعد الموت. وقد روي حديث عن النبي (ص) أنه قال: المدبر من الثلث إلا أنه أثر ضعيف عند أهل الحديث، لأنه رواه علي بن ظبيان عن نافع عن عبد الله بن عمر، وعلي بن ظبيان متروك الحديث عند أهل الحديث. ومن رآه من رأس المال شبهه بالشئ يخرجه الانسان من ماله في حياته فأشبه الهبة. واختلف القائلون بأنه من الثلث في فروع، وهو إذا دبر الرجل غلاما له في صحته، وأعتق في مرضه الذي مات عنه غلاما آخر فضاق الثلث عن الجمع بينهما، فقال مالك: يقدم المدبر لأنه كان في الصحة، وقال الشافعي: يقدم العتق المبتل، لأنه لا يجوز له رده، ومن أصله أنه يجوز عنده رد التدبير. وهذه المسألة هي أحق بكتاب الوصايا.
وأما الجنس الثاني فأشهر مسألة فيه هي هل للمدبر أن يبيع المدبر أم لا؟ فقال مالك وأبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة: ليس للسيد أن يبيع مدبره، وقال الشافعي وأحمد وأهل الظاهر وأبو ثور: له أن يرجع فيبيع مدبره، وقال الأوزاعي: لا يباع إلا من رجل يريد عتقه واختلف أبو حنيفة ومالك من هذه المسألة في فروع وهو إذا بيع فأعتقه المشتري، فقال مالك: ينفذ العتق، وقال أبو حنيفة والكوفيون البيع مفسوخ سواء أعتقه المشتري أو لم يعتقه. وهو أقيس من جهة أنه ممنوع عبادة. فعمدة من أجاز بيعه ما ثبت من حديث جابر: أن النبي (ص) باع مدبرا