كتاب اللقطة والنظر في اللقطة في جملتين: الجملة الأولى: في أركانها. والثانية: في أحكامها.
الجملة الأولى: والأركان ثلاثة: الالتقاط، والملتقط، واللقطة. فأما الالتقاط فاختلف العلماء هل هو أفضل أم الترك؟ فقال أبو حنيفة: الأفضل الالتقاط، لأنه من الواجب على المسلم أن يحفظ مال أخيه المسلم. وبه قال الشافعي، وقال مالك وجماعة بكراهية الالتقاط، وروي عن ابن عمر وابن عباس، وبه قال أحمد، وذلك لامرين: أحدهما ما روي أنه (ص) قال: ضالة المؤمن حرق النار ولما يخاف أيضا من التقصير في القيام بما يجب لها من التعريف وترك التعدي عليها، وتأول الذين رأوا الالتقاط أول الحديث وقالوا:
أراد بذلك الانتفاع بها لا أخذها للتعريف، وقال قوم: بل لقطها واجب. وقد قيل إن هذا الاختلاف إذا كانت اللقطة بين قوم مأمونين والامام عادل. قالوا: وإن كانت اللقطة بين قوم غير مأمونين والامام عادل فواجب التقاطها. وإن كانت بين قوم مأمونين والامام جائز فالأفضل إن لا يلتقطها. وإن كانت بين قوم غير مأمونين والامام غير عادل فهو مخير بحسب ما يغلب على ظنه من سلامتها أكثر من أحد الطرفين، وهذا كله ما عدا لقطة الحاج، فإن العلماء أجمعوا على أنه لا يجوز التقاطها لنهيه عليه الصلاة والسلام عن ذلك، ولقطة مكة أيضا لا يجوز التقاطها إلا لمنشد لورود النص في ذلك، والمروي في ذلك لفظان:
أحدهما: أنه لا ترفع لقطتها إلا لمنشد. والثاني: لا يرفع لقطتها إلا منشد، فالمعنى الواحد أنها لا ترفع إلا لمن ينشدها، والمعنى الثاني لا يلتقطها إلا من ينشدها ليعرف الناس. وقال مالك: تعرف هاتان اللقطتان أبدا. فأما الملتقط فهو كل حر مسلم بالغ لأنها ولاية، واختلف عن الشافعي في جواز التقاط الكافر. قال أبو حامد: والأصح جواز ذلك في دار الاسلام. قال: وفي أهلية العبد والفاسق له قولان: فوجه المنع عدم أهلية الولاية، ووجه الجواز عموم أحاديث اللقطة. وأما اللقطة بالجملة فإنها كل مال لمسلم معرض للضياع كان ذلك في عامر الأرض أو غامرها، والجماد والحيوان في ذلك سواء إلا الإبل باتفاق. والأصل في اللقطة حديث يزيد بن خالد الجهني. وهو متفق على صحته أنه قال: جاء رجل إلى