والأوزاعي وجماعة. وحجة من كرهه أنه شبيه ببيع الطعام بالطعام نساء، ومن أجازه لم ير ذلك فيه اعتبارا بترك القصد إلى ذلك. ومن ذلك اختلافهم فيمن اشترى طعاما بثمن إلى أجل معلوم، فلما حل الاجل لم يكن عند البائع طعام يدفعه إليه، فاشترى من المشتري طعاما بثمن يدفعه إليه مكان طعامه الذي وجب له، فأجاز ذلك الشافعي وقال: لا فرق بين أن يشتري الطعام من غير المشتري الذي وجب له عليه أو من المشتري نفسه، ومنع من ذلك مالك ورآه من الذريعة إلى بيع الطعام قبل أن يستوفى. لأنه رد إليه الطعام الذي كان ترتب في ذمته، فيكون قد باعه منه قبل أن يستوفيه. وصورة الذريعة في ذلك أن يشتري رجل من آخر طعاما إلى أجل معلوم، فإذا حل الاجل قال الذي عليه الطعام: ليس عندي طعام. ولكن أشتري منك الطعام الذي وجب لك علي، فقال: هذا لا يصح، لأنه بيع الطعام قبل أن يستوفى فيقول له: فبع طعاما مني وأرده عليك، فيعرض من ذلك ما ذكرناه، أعني أن يرد عليه ذلك الطعام الذي أخذ منه ويبقى الثمن المدفوع إنما هو ثمن الطعام الذي هو في ذمته. وأما الشافعي فلا يعتبر التهم كما قلنا، وإنما يراعي فيما يحل ويحرم من البيوع ما اشترطا وذكراه بألسنتهما وظهر من فعلهما لاجماع العلماء على أنه إذا قال: أبيعك هذه الدراهم بدراهم مثلها وأنظرك بها حولا أو شهرا أنه لا يجوز، ولو قال له: أسلفني دراهم وأمهلني بها حولا أو شهرا جاز، فليس بينهما إلا اختلاف لفظ البيع وقصده ولفظ القرض وقصده، ولما كانت أصول الربا كما قلنا خمسة: أنظرني أزدك، والتفاضل، والنساء، وضع وتعجل، وبيع الطعام قبل قبضه، فإنه يظن أنه من هذا الباب إذ فاعل ذلك يدفع دنانير ويأخذ أكثر منها من غير تكلف فعل ولا ضمان يتعلق بذمته، فينبغي أن نذكر ههنا هذين الأصلين. أما: ضع وتعجل، فأجازه ابن عباس من الصحابة وزفر من فقهاء الأمصار، ومنعه جماعة منهم ابن عمر من الصحابة ومالك وأبو حنيفة والثوري وجماعة من فقهاء الأمصار، واختلف قول الشافعي في ذلك، فأجاز مالك وجمهور من ينكر: ضع وتعجل، أن يتعجل الرجل في دينه المؤجل عرضا يأخذه وإن كانت قيمته أقل من دينه. وعمدة من لم يجز: ضع وتعجل، أنه شبيه بالزيادة مع النظرة المجتمع على تحريمها، ووجه شبهه بها أنه جعل للزمان مقدارا من الثمن بدلا منه في الموضعين جميعا، وذلك أنه هنالك ما زاد له في الزمان زاد له عرضه ثمنا، وهنا لما حط عنه الزمان حط عنه في مقابلته ثمنا، وعمدة من أجاز ما روي عن ابن عباس أن النبي (ص) لما أمر باخراج بني النضير جاءه ناس منهم فقالوا: يا نبي الله.. إنك أمرت باخراجنا ولنا على الناس ديون لم تحل، فقال رسول الله (ص): ضعوا وتعجلوا.
فسبب الخلاف: معارضة قياس الشبه لهذا الحديث. وأما بيع الطعام قبل قبضه. فإن العلماء مجمعون على منع ذلك إلا ما يحكى عن عثمان البتي. وإنما أجمع العلماء على ذلك لثبوت النهي عنه عن رسول الله (ص) من حديث مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله (ص)