كتاب الحوالة والحوالة معاملة صحيحة مستثناة من الدين بالدين، لقوله عليه الصلاة والسلام:
مطل الغني ظلم وإذا أحيل أحدكم على غني فليستحل. والنظر في شروطها وفي حكمها، فمن الشروط اختلافهم في اعتبار رضا المحال والمحال عليه، فمن الناس من اعتبر رضا المحال ولم يعتبر رضا المحال عليه، وهو مالك، ومن الناس من اعتبر رضاهما معا، ومن الناس من لم يعتبر رضا المحال واعتبر رضا المحال عليه، وهو نقيض مذهب مالك، وبه قال داود، فمن رأى أنها معاملة اعتبر رضا الصنفين، ومن أنزل المحال عليه من المحال منزلته من المحيل لم يعتبر رضاه معه كما لا يعتبره مع المحيل إذا طلب منه حقه ولم يحل عليه أحدا. وأما داود فحجته ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام: إذا أحيل أحدكم على ملئ فليتبع والامر على الوجوب، وبقي المحال عليه على الأصل، وهو اشتراط اعتبار رضاه. ومن الشروط التي اتفق عليها في الجملة كون ما على المحال عليه مجانسا لما على المحيل قدرا ووصفا، إلا أن منهم من أجازها في الذهب والدراهم فقط ومنعها في الطعام، والذين منعوها في ذلك رأوا أنها من باب الطعام قبل أن يستوفي، لأنه باع الطعام الذي كان له على غريمه بالطعام الذي كان عليه، وذلك قبل أن يستوفيه من غريمه، وأجاز ذلك مالك إذا كان الطعامان كلاهما من قرض إذا كان دين المحال حالا. وأما إن كان أحدهما من سلم فإنه لا يجوز إلا أن يكون الدينان حالين، وعند ابن القاسم وغيره من أصحاب مالك يجوز ذلك إذا كان الدين المحال به حالا، ولم يفرق بين ذلك الشافعي، لأنه كالبيع في ضمان المستقرض وإنما رخص مالك في القرض لأنه يجوز عنده بيع القرض قبل أن يستوفي. وأما أبو حنيفة فأجاز الحوالة بالطعام وشبهها بالدراهم وجعلها خارجة عن الأصول كخروج الحوالة بالدراهم. والمسألة مبنية على أن ما شذ عن الأصول هل يقاس عليه أم لا؟ والمسألة مشهورة في أصول الفقه، وللحوالة عند مالك ثلاثة شروط: أحدها:
أن يكون دين المحال حالا، لأنه إن لم يكن حالا كان دينا بدين. والثاني: أن يكون الدين