الله تعالى بالوفاء به. وهذه المسألة مبينة على: هل الكتابة عقد لازم أم لا؟ وكذلك اختلفوا في بيع الكتابة، فقال الشافعي وأبو حنيفة: لا يجوز ذلك، وأجازها مالك ورأي الشفعة فيها للمكاتب، ومن أجاز ذلك شبه بيعها ببيع الدين، ومن لم يجز ذلك رآه من باب الغرر، وكذلك شبه مالك الشفعة فيها بالشفعة في الدين، وفي ذلك أثر عن النبي (ص)، أعني في الشفعة في الدين، ومذهب مالك في بيع الكتابة أنها إن كانت بذهب أنها تجوز بعرض معجل لا مؤجل لما يدخل في ذلك من الدين بالدين. وإن كانت الكتابة بعرض كان شراؤها بذهب أو فضة معجلين أو بعرض مخالف، وإذا أعتق فولاؤه للمكاتب لا للمشتري.
ومن هذا الباب اختلافهم هل للسيد أن يجبر العبد على الكتابة أم لا؟
وأما شروط الكتابة فمنها شرعية هي من شروط صحة العقد، وقد تقدمت عند ذكر أركان الكتابة، ومنها شروط بحسب التراضي، وهذه الشروط منها ما يفسد العقد، ومنها ما إذا تمسك به أفسدت العقد وإذا تركت صح العقد، ومنها شروط جائزة غير لازمة، ومنها شروط لازمة، وهذه كلها هي مبسوطة في كتب الفروع، وليس كتابنا هذا كتاب فروع، وإنما هو كتاب أصول. والشروط التي تفسد العقد بالجملة هي الشروط التي هي ضد شروط الصحة المشروعة في العقد. والشروط الجائزة هي التي لا تؤدي إلى إخلال بالشروط المصححة للعقد ولا تلازمها، فهذه الجملة ليس يختلف الفقهاء فيها، وإنما يختلفون في الشروط لاختلافهم فيما هو منها شرط من شروط الصحة أو ليس منها، وهذا يختلف بحسب القرب والبعد من إخلالها بشروط الصحة، ولذلك جعل مالك جنسا ثالثا من الشروط، وهي الشروط التي إن تمسك بها المشترط فسد العقد، وإن لم يتمسك بها جاز، وهذا ينبغي أن تفهمه في سائر العقود الشرعية. فمن مسائلهم المشهورة في هذا الباب إذا اشترط في الكتابة شرطا من خدمة أو سفر أو نحوه وقوي على أداء نجومه قبل محل أجل الكتابة هل يعتق أم لا؟ فقال مالك وجماعة: ذلك الشرط باطل، ويعتق إذا أدى جميع المال، وقالت طائفة: لا يعتق حتى يؤدي جميع المال، ويأتي بذلك الشرط وهو مروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه أعتق رقيق الامارة وشرط عليهم أن يخدموا الخليفة بعد ثلاث سنين. ولم يختلفوا أن العبد إذا أعتقه سيده على أن يخدمه سنين أنه لا يتم عتقه إلا بخدمة تلك السنين، ولذلك القياس قول من قال: إن الشرط لازم، فهذه المسائل الواقعة المشهورة في أصول هذا الكتاب.
وههنا مسائل تذكر في هذا الكتاب وهي من كتب أخرى، وذلك أنها إذا ذكرت في هذا الكتاب ذكرت على أنها فروع تابعة للأصول فيه، وإذا ذكرت في غيره ذكرت على أنها أصول، ولذلك كان الأولى ذكرها في هذا الكتاب. فمن ذلك اختلافهم إذا زوج السيد بنته من مكاتبه ثم مات السيد وورثته البنت، فقال مالك والشافعي: ينفسخ النكاح لأنها ملكت جزءا منه، وملك يمين المرأة محرم عليها بإجماع، وقال أبو حنيفة: يصح النكاح، لان الذي ورثت إنما هو مال في ذمة المكاتب لا رقبة المكاتب، وهذه المسألة هي أحق بكتاب النكاح. ومن هذا الباب