عفا عنه. وهو قول الثوري. وأما من يرى أنه لا يعفو عن الدم فليس يتصور معه خلاف في أنه لا يسقط ذلك طلب الولي الدية، لأنه إذا كان عفوه عن الدم لا يسقط حق الولي، فأحرى أن لا يسقط عفوه عن الجرح. واختلفوا في القاتل عمدا يعفى عنه، هل يبقى للسلطان فيه أم لا؟ فقال مالك والليث: إنه يجلد مائة ويسجن سنة. وبه قال أهل المدينة، وروي ذلك عن عمر، وقالت طائفة: الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور: لا يجب عليه ذلك. وقال أبو ثور: إلا أن يكون يعرف بالشر فيؤدبه الامام على قدر ما يرى. ولا عمدة الطائفة الأولى إلا أثر ضعيف. وعمدة الطائفة الثانية ظاهر الشرع وأن التحديد في ذلك لا يكون إلا بتوقيف، ولا توقيف ثابت في ذلك.
القول في القصاص والنظر في القصاص هو في صفة القصاص، وممن يكون؟ ومتى يكون؟ فأما صفة القصاص في النفس، فإن العلماء اختلفوا في ذلك فمنهم من قال: يقتص من القاتل على الصفة التي قتل، فمن قتل تغريقا قتل تغريقا، ومن قتل بضرب بحجر قتل بمثل ذلك، وبه قال مالك والشافعي، قالوا: إلا أن يطول تعذيبه بذلك فيكون السيف له أروح. واختلف أصحاب مالك فيمن حرق آخر، هل يحرق - مع موافقتهم لمالك في احتذاء صورة القتل؟ وكذلك فيمن قتل بالسهم، وقال أبو حنيفة وأصحابه: بأي وجه قتله لم يقتل إلا بالسيف، وعمدتهم ما روى الحسن عن النبي (ص) أنه قال: لا قود إلا بحديدة. وعمدة الفريق الأول حديث أنس أن يهوديا رضخ رأس امرأة بحجر، فرضخ النبي (ص) رأسه بحجر، أو قال: بين حجرين وقوله تعالى: * (كتب عليكم القصاص في القتلى) * والقصاص يقتضي المماثلة. وأما ممن يكون القصاص فالظاهر أنه يكون من ولي الدم، وقد قيل إنه لا يمكن منه لمكان العدواة ومخافة أن يجور فيه. أما متى يكون القصاص؟ فبعد ثبوت موجباته، والاعذار إلى القاتل في ذلك إن لم يكن مقرا.
واختلفوا هل من شرط القصاص أن لا يكون الموضع الحرم. وأجمعوا على أن الحامل إذا قتلت عمدا أنه لا يقاد منها حتى تضع حملها. واختلفوا في القاتل بالسم والجمهور على وجوب القصاص، وقال بعض أهل الظاهر: لا يقتص منه من أجل أنه عليه الصلاة والسلام سم هو وأصحابه، فلم يتعرض لمن سمه.
كمل كتاب القصاص في النفس.