إنما أنس القائلون به أنه فتوى عثمان وعمر حتى زعمت المالكية أنه إجماع الصحابة، ولا معنى لقولهم فالخلاف فيه عن ابن الزبير مشهور. وأما من رأى أنها ترث في العدة، فلان العدة عنده من بعض أحكام الزوجية، وكأنه شبهها بالمطلقة الرجعية، وروي هذا القول عن عمر وعن عائشة. وأما من اشترط في توريثها ما لم تتزوج فإنه لحظ في ذلك إجماع المسلمين على أن المرأة الواحدة لا ترث زوجين، ولكون التهمة هي العلة عند الذين أوجبوا الميراث. واختلفوا إذا طلبت هي الطلاق أو ملكها أمرها الزوج فطلقت نفسها، فقال أبو حنيفة: لا ترث أصلا، وفرق الأوزاعي بين التمليك والطلاق فقال: ليس لها الميراث في التمليك، ولها في الطلاق. وسوى مالك في ذلك كله حتى لقد قال: إن ماتت لا يرثها، وترثه هي إن مات، وهذا مخالف للأصول جدا.
الباب الثالث: فيمن يتعلق به الطلاق من النساء ومن لا يتعلق وأما من يقع طلاقه من النساء، فإنهم اتفقوا على أن الطلاق يقع على النساء اللاتي في عصمة أزواجهن، أو قبل أن تنقضي عددهن في الطلاق الرجعي، وأنه لا يقع على الأجنبيات: أعني الطلاق المعلق. وأما تعليق الطلاق على الأجنبيات بشرط التزويج مثل أن يقول: إن نكحت فلانة فهي طالق فإن للعلماء في ذلك ثلاثة مذاهب: قول إن الطلاق لا يتعلق بأجنبية أصلا عم المطلق أو خص، وهو قول الشافعي وأحمد وداود وجماعة، وقول إنه يتعلق بشرط التزويج عم المطلق جميع النساء أو خصص، وهو قول أبي حنيفة وجماعة، وقول إنه إن عم جميع النساء لم يلزمه، وإن خصص لزمه، وهو قول مالك وأصحابه، أعني مثل أن يقول: كل امرأة أتزوجها من بني فلان أو من بلد كذا فهي طالق، وكذلك في وقت كذا، فإن هؤلاء يطلقن عند مالك إذا زوجن. وسبب الخلاف: هل من شرط وقوع الطلاق وجود الملك متقدما بالزمان على الطلاق أم ليس ذلك من شرطه؟ فمن قال هو من شرطه قال: لا يتعلق الطلاق بالأجنبية، ومن قال ليس من شرطه إلا وجود الملك فقط قال: يقع بالأجنبية. وأما الفرق بين التعميم والتخصيص فاستحسان مبني على المصلحة، وذلك أنه إذا عمم فأوجبنا عليه التعميم لم يجد سبيلا إلى النكاح الحلال، فكان ذلك عنتا به وحرجا، وكأنه من باب نذر المعصية، وأما إذا خصص فليس الامر كذلك إذا ألزمناه الطلاق، واحتج الشافعي بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله (ص) لا طلاق إلا من بعد نكاح وفي رواية أخرى لا طلاق فيما لا يملك ولا عتق فيما لا يملك وثبت ذلك عن علي ومعاذ وجابر بن عبد الله وابن عباس وعائشة، وروي مثل قول أبي حنيفة عن عمر وابن مسعود، وضعف قوم الرواية بذلك عن عمر رضي الله عنهم.
الجملة الثالثة في الرجعة بعد الطلاق. ولما كان الطلاق على ضربين: بائن،