بسم الله الرحمن الرحيم وصل الله على سيدنا محمد واله وصحبه وسلم تسليما كتاب الإجارات والنظر في هذا الكتاب شبيه بالنظر في البيوع: أعني أن أصوله: تنحصر بالنظر في أنواعها وفي شروط الصحة فيها والفساد وفي أحكامها، وذلك في نوع نوع منها، أعني فيما يخص نوعا نوعا منها، وفيما يعم أكثر من واحد منها فهذا الكتاب ينقسم أولا إلى قسمين: القسم الأول: في أنواعها وشروط الصحة والفساد. والثاني: في معرفة أحكام الإجارات وهذا كله بعد قيام الدليل على جوازها. فلنذكر أولا ما في ذلك من الخلاف ثم نصير إلى ذكر ما في ذينك القسمين من المسائل المشهورة. إذ كان قصدنا إنما هو ذكر المسائل التي تجري من هذه الأشياء مجرى الأمهات، وهي التي اشتهر فيها الخلاف بين فقهاء الأمصار، فنقول: إن الإجارة جائزة عند جميع فقهاء الأمصار والصدر الأول. وحكي عن الأصم وابن علية منعها. ودليل الجمهور قوله تعالى: * (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني) * الآية، وقوله: * (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) *. ومن السنة الثابتة ما خرجه البخاري عن عائشة قالت: استأجر رسول الله (ص) وأبو بكر رجلا من بني الديل هاديا خريتا وهو على دين كفار قريش، فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما وحديث جابر أنه باع من النبي (ص) بعيرا وشرط ظهره إلى المدينة. وما جاز استيفاؤه بالشرط جاز استيفاؤه بالأجر. وشبهة من منع ذلك أن المعاوضات إنما يستحق فيها تسليم الثمن بتسليم العين كالحال في الأعيان المحسوسة. والمنافع في الإجارات في وقت العقد معدومة، فكان ذلك غررا ومن بيع ما لم يخلق، ونحن نقول:
إنها وإن كانت معدومة في حال العقد فهي مستوفاة في الغالب، والشرع إنما لحظ من هذه المنافع ما يستوفي في الغالب، أو يكون استيفاؤه وعدم استيفائه على السواء.
القسم الأول: وهذا القسم النظر فيه في جنس الثمن وجنس المنفعة التي يكون الثمن مقابلا له وصفتها. فأما الثمن فينبغي أن يكون مما يجوز بيعه، وقد تقدم ذلك في باب البيوع.