الباب الخامس:
في البيوع المنهي عنها من أجل الضرر أو الغبن والمسموع من هذا الباب ما ثبت من نهيه (ص) عن أن يبيع الرجل على بيع أخيه، وعن أن يسوم أحد على سوم أخيه، ونهيه عن تلقي الركبان، ونهيه عن أن يبيع حاضر لباد، ونهيه عن النجش. وقد اختلف العلماء في تفصيل معاني هذه الآثار اختلافا ليس بمتباعد، فقال مالك: معنى قوله عليه الصلاة والسلام لا يبع بعضكم على بيع بعض ومعنى نهيه عن أن يسوم أحد على سوم أخيه واحد، وهي في الحالة التي إذا ركن البائع فيها إلى السائم ولم يبق بينهما إلا شئ يسير مثل اختيار الذهب أو اشتراط العيوب أو البراءة منها، وبمثل تفسير مالك فسر أبو حنيفة هذا الحديث. وقال الثوري معنى لا يبع بعضكم على بيع بعض أن لا يطرأ رجل آخر على المتبايعين فيقول: عندي خير من هذه السلعة. ولم يحد وقت ركون ولا غيره. وقال الشافعي: معنى ذلك إذا تم البيع باللسان ولم يفترقا فأتى أحد يعرض عليه سلعة له هي خير منها، وهذا بناء على مذهبه في أن البيع إنما يلزم بالافتراق، فهو ومالك متفقان على أن النهي إنما يتناول حالة قرب لزوم البيع على ما سنذكره بعد، وفقهاء الأمصار على أن هذا البيع يكره، وإن وقع مضى لأنه سوم على بيع لم يتم، وقال داود وأصحابه: إن وقع فسخ في أي حالة وقع تمسكا بالعموم، وروي عن مالك وعن بعض أصحابه فسخه ما لم يفت، وأنكر ابن الماجشون ذلك في البيع فقال: وإنما قال بذلك مالك في النكاح وقد تقدم ذلك. واختلفوا في دخول الذمي في النهي عن سوم غيره، فقال الجمهور: لا فرق في ذلك بين الذمي وغيره وقال الأوزاعي:
لا بأس بالسوم على سوم الذمي لأنه ليس بأخي المسلم، وقد قال (ص) لا يسم أحد على سوم أخيه ومن هنا منع قوم بيع المزايدة وإن كان الجمهور على جوازه. وسبب الخلاف: بينهم هل يحمل هذا النهي على الكراهة أو على الحظر، ثم إذا حمل على الحظر فهل يحمل على جميع الأحوال، أو في حالة دون حالة؟.
فصل: وأما نهيه عن تلقي الركبان للبيع، فاختلفوا في مفهوم النهي ما هو، فرأى مالك أن المقصود بذلك أهل الأسواق لئلا ينفرد المتلقي برخص السلعة، دون أهل الأسواق، ورأي أنه لا يجوز أن يشتري أحد سلعة حتى تدخل السوق، هذا إذا كان التلقي قريبا، فإن كان بعيدا فلا بأس به، وحد القرب في المذهب بنحو من ستة أميال، ورأي أنه إن وقع جاز، ولكن يشرك المشتري أهل الأسواق في تلك السلعة التي من شأنها أن يكون ذلك سوقها. وأما الشافعي فقال: إن المقصود بالنهي إنما هو لأجل البائع لئلا يغبنه المتلقي، لان البائع يجهل سعر البلد، وكان يقول: إذا وقع فرب السلعة بالخيار إن شاء