كان من سببه أو من عند الله، وهو قياس قول أبي حنيفة. وبالجملة فقياس قول من يضمنه قيمته يوم الغصب فقط، ومن جعل المغصوب مضمونا على الغاصب بقيمته في كل أوان كانت يده عليه آخذه بأرفع القيم، وأوجب عليه رد الغلة وضمان النقصان سواء أكان من فعله أو من عند الله، وهو قول الشافعي أو قياس قوله. ومن فرق بين الجناية التي تكون من الغاصب، وبين الجناية التي تكون بأمر من السماء، وهو مشهور مذهب مالك وابن القاسم، فعمدته قياس الشبه، لأنه رأى أن جناية الغاصب على الشئ الذي غصبه هو غصب ثان متكرر منه، كما لو جنى عليه وهو في ملك صاحبه، فهذا هو نكتة الاختلاف في هذا الباب فقف عليه. وأما إن كانت الجناية عند الغاصب من غير فعل الغاصب، فالمغصوب مخير بين أن يضمن الغاصب القيمة يوم الغصب ويتبع الغاصب الجاني، وبين أن يترك الغاصب ويتبع الجاني بحكم الجنايات، فهذا حكم الجنايات على العين في يد الغاصب. وأما الجناية على العين من غير أن يغصبها غاصب، فإنها تنقسم عند مالك إلى قسمين: جناية تبطل يسيرا من المنفعة، والمقصود من الشئ باق، فهذا يجب فيه ما نقص يوم الجناية، وذلك بأن يقوم صحيحا ويقوم بالجناية، فيعطى ما بين القيمتين. وأما إن كانت الجناية مما تبطل الغرض المقصود، فإن صاحبه يكون مخيرا إن شاء أسلمه للجاني وأخذ قيمته، وإن شاء أخذ قيمة الجناية، وقال الشافعي وأبو حنيفة: ليس له إلا قيمة الجناية. وسبب الاختلاف: الالتفات إلى الحمل على الغاصب، وتشبيه إتلاف أكثر المنفعة بإتلاف العين. وأما النماء فإنه على قسمين: أحدهما: أن يكون بفعل الله كالصغير يكبر والمهزول يسمن والعيب يذهب. والثاني: أن يكون مما أحدثه الغاصب. فأما الأول فإنه ليس يفوت. وأما النماء بما أحدثه الغاصب في الشئ المغصوب فإنه ينقسم فيما رواه ابن القاسم عن مالك إلى قسمين: أحدهما: أن يكون قد جعل فيه من ماله، ما له عين قائمة كالصبغ في الثوب والنقش في البناء وما أشبه ذلك. والثاني: أن لا يكون قد جعل فيه من ماله سوى العمل كالخياطة والنسج وطحن الحنطة والخشبة يعمل منها توابيت. فأما الوجه الأول: وهو أن يجعل فيه من ماله ما له عين قائمة، فإنه ينقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون ذلك الشئ مما يمكنه إعادته على حاله كالبقعة يبنيها وما أشبه ذلك. والثاني: أن لا يقدر على إعادته كالثوب يصبغه والسويق يلته. فأما الوجه الأول: فالمغصوب منه مخير بين أن يأمر الغاصب بإعادة البقعة على حالها وإزالة ما له فيها مما جعله من نقيض أو غيره، وبين أن يعطي الغاصب قيمة ماله فيها من النقض مقلوعا بعد حط أجر القلع، وهذا إن كان الغاصب ممن لا يتولى ذلك بنفسه ولا بغيره، وإنما يستأجر عليه، وقيل إنه لا يحط من ذلك أجر القلع، هذا إن كانت له قيمة، وأما إن لم تكن له قيمة لم يكن للغاصب على المغصوب فيه شئ، لان من حق المغصوب أن يعيد له الغاصب ما غصب منه على هيئته، فإن لم يطالبه بذلك لم يكن له مقا. وأما الوجه الثاني: فهو فيه مخير بين أن يدفع قيمة الصبغ وما أشبه ويأخذ ثوبه وبين أن يضمنه قيمة الثوب يوم غصبه،
(٢٦٠)