الفصل الرابع: في الوقت الذي توضع فيه وأما زمان القضاء بالجائحة، فاتفق المذهب على وجوبها في الزمان الذي يحتاج فيه إلى تبقية الثمر على رؤوس الشجر حيث يستوفى طيبه. واختلفوا إذا أبقاه المشتري في الثمار ليبيعه على النضارة وشيئا شيئا، فقيل فيه الجائحة تشبيها بالزمان المتفق عليه، وقيل ليس فيه جائحة تفريقا بينه وبين الزمان المتفق على وجوب القضاء بالجائحة فيه، وذلك أن هذا الزمان يشبه المتفق عليه من جهة ويخالفه من جهة، فمن غلب الاتفاق أوجب فيه الجائحة، ومن غلب الاختلاف لم يوجب فيه جائحة، أعني من رأى أن النضارة مطلوبة بالشراء كما الطيب مطلوب قال بوجوب الجائحة فيه، ومن لم ير الامر فيهما واحدا قال: ليس فيه الجائحة، ومن ههنا اختلفوا في وجوب الجوائح في البقول.
الجملة الثالثة من جمل النظر في الاحكام وهو في تابعات المبيعات. ومن مسائل هذا الباب المشهورة اثنتان: الأولى: بيع النخيل وفيها الثمر متى يتبع بيع الأصل ومتى لا يتبعه؟ فجمهور الفقهاء على أن من باع نخلا فيها ثمر قبل أن يؤبر فإن الثمر للمشتري، وإذا كان البيع بعد الابار فالثمر للبائع إلا أن يشترطه المبتاع، والثمار كلها في هذا المعنى في معنى النخيل، وهذا كله لثبوت حديث ابن عمر أن رسول الله (ص) قال من باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع قالوا: فلما حكم (ص) بالثمن للبائع بعد الابار علمنا بدليل الخطاب أنها للمشتري قبل الابار بلا شرط، وقال أبو حنيفة وأصحابه: هي للبائع قبل الابار وبعده، ولم يجعل المفهوم ههنا من باب دليل الخطاب بل من باب مفهوم الأحرى والأولى، قالوا: وذلك أنه إذا وجبت للبائع بعد الابار فهي أحرى أن تجب له قبل الابار. وشبهوا خروج الثمر بالولادة وكما أن من باع أمة لها ولد فولدها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع كذلك الامر في الثمن. وقال ابن أبي ليلى: سواء أبر أو لم يؤبر إذا بيع الأصل فهو للمشتري اشترطها أو لم يشترطها، فرد الحديث بالقياس، لأنه رأى أن الثمر جزء من المبيع، ولا معنى لهذا القول إلا إن كان لم يثبت عنده الحديث. وأما أبو حنيفة فلم يرد الحديث، وإنما خالف مفهوم الدليل فيه. فإذا سبب الخلاف: في هذه المسألة بين أبي حنيفة والشافعي ومالك ومن قال بقولهم معارضة دليل الخطاب لدليل مفهوم الأحرى والأولى. وهو الذي يسمى فحوى الخطاب لكنه ههنا ضعيف، وإن كان في الأصل أقوى من دليل الخطاب. وأما سبب مخالفة ابن أبي ليلى فمعارضة القياس للسماع، وهو كما قلنا ضعيف. والآبار عند العلماء أن يجعل طلع ذكور النخل في طلع إناثها، وفي سائر الشجر أن تنور وتعقد، والتذكير في شجر التين التي تذكر في معنى الابار، وإبار الزرع مختلف فيه في المذهب، فروى ابن القاسم عن مالك أن إباره أن يفرك قياسا على سائر الثمر، وهل الموجب لهذا الحكم هو الابار أو وقت الابار؟ قيل الوقت، وقيل الابار،