الصداق لم يجدوا شيئا أقرب شبها به من نصاب القطع على بعد ما بينهما. وذلك أن القياس الذي استعملوه في ذلك هو أنهم قالوا: عضو مستباح بمال، فوجب أن يكون مقدرا أصله القطع، وضعف هذا القياس هو من قبل الاستباحة فيهما هي مقولة باشتراك الاسم، وذلك أن القطع غير الوطئ، وأيضا فإن القطع استباحة على جهة العقوبة والأذى ونقص خلقه، وهذا استباحة على جهة اللذة والمودة، ومن شأنه قياس الشبه على ضعفه أن يكون الذي به تشابه الفرع والأصل شيئا واحدا لا باللفظ بل بالمعنى، وأن يكون الحكم إنما وجد للأصل من جهة الشبه، وهذا كله معدوم في هذا القياس، ومع هذا فإنه من الشبه الذي لم ينبه عليه اللفظ، وهذا النوع من القياس مردود عند المحققين، لكن لم يستعملوا هذا القياس في إثبات التحديد المقابل لمفهوم الحديث إذ هو في غاية الضعف، وإنما استعملوه في تعيين قدر التحديد. وأما القياس الذي استعملوه في معارضة مفهوم الحديث فهو أقوى من هذا. ويشهد لعدم التحديد ما خرجه الترمذي أن امرأة تزوجت على نعلين، فقال لها رسول الله (ص): أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ فقالت: نعم، فجوز نكاحها وقال حديث حسن صحيح. ولما اتفق القائلون بالتحديد على قياسه على نصاب السرقة اختلفوا في ذلك بحسب اختلافهم في نصاب السرقة، فقال مالك: هو ربع دينار أو ثلاثة دراهم، لأنه النصاب في السرقة عنده، وقال أبو حنيفة: هو عشرة دراهم، لأنه النصاب في السرقة عنده، وقال ابن شبرمة: هو خمسة دراهم، لأنه النصاب عنده أيضا في السرقة وقد احتجت الحنفية لكون الصداق محددا بهذا القدر بحديث يروونه عن جابر عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال لا مهر بأقل من عشرة دراهم. ولو كان ثابتا لكان رافعا لموضع الخلاف لأنه كان يجب لموضع هذا الحديث أن يحمل حديث سهل ابن سعد على الخصوص، لكن حديث جابر هذا ضعيف عند أهل الحديث فإنه يرويه، قال مبشر ابن عبيد عن الحجاج بن أرطاة عن عطاء عن جابر، ومبشر والحجاج ضعيفان، وعطاء أيضا لم يلق جابرا، ولذلك لا يمكن أن يقال إن هذا الحديث معارض لحديث سهل بن سعد المسألة الثالثة: أما جنسه فكل ما جاز أن يتملك وأن يكون عوضا. واختلفوا من ذلك في مكانين: في النكاح بالإجارة، وفي جعل عتق أمته صداقها. أما النكاح على الإجارة ففي المذهب فيه ثلاثة أقوال: قول بالإجازة، وقول بالمنع، وقول بالكراهة: والمشهور عن مالك الكراهة، ولذلك رأى فسخه قبل الدخول، وأجازه من أصحابه أصبغ وسحنون، وهو قول الشافعي، ومنعه ابن القاسم وأبو حنيفة إلا في العبد فإن أبا حنيفة أجازه. وسبب اختلافهم: سببان: أحدهما: هل شرع من قبلنا لازم لنا حتى يدل الدليل على ارتفاعه أم الامر بالعكس؟ فمن قال: هو لازم أجازه لقوله تعالى: * (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي
(١٧)