ثلاثا إلا ثلاثا، أو اثنتين إلا اثنتين، وإما أن يستثني ما هو أقل، فإما أن يستثني ما هو أقل مما هو أكثر، وإما أن يستثني ما هو أكثر مما هو أقل، فإذا استثنى الأقل من الأكثر، فلا خلاف أعلمه أن الاستثناء يصح ويسقط المستثنى، مثل أن يقول: أنت طالق ثلاثا إلا واحدة، وأما إن استثنى الأكثر من الأقل فيتوجه فيه قولان: أحدهما: أن الاستثناء لا يصح وهو مبني على من منع أن يستثني الأكثر من الأقل. والآخر: أن الاستثناء يصح، وهو قول مالك. وأما إذا استثنى ذلك العدد بعينه مثل أن يقول: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا، فإن مالكا قال: يقع الطلاق لأنه اتهمه على أنه رجوع منه. وأما إذا لم يقل بالتهمة وكان قصده بذلك استحالة وقوع الطلاق فلا طلاق عليه. كما لو قال أنت طالق لا طالق معا. فإن وقوع الشئ مع ضده مستحيل.
وشذ أبو محمد بن حزم فقال: لا يقع طلاق بصفة لم تقع بعد ولا بفعل لم يقع، لان الطلاق لا يقع في وقت وقوعه إلا بإيقاع من يطلق في ذلك الوقت ولا دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع على وقوع طلاق في وقت لم يوقعه فيه المطلق، وإنما ألزم نفسه إيقاعه فيه، فإن قلنا باللزوم لزم أن يوقف عند ذلك الوقت حتى يوقع. هذا قياس قوله عندي وحجته. وإن كنت لست أذكر في هذا الوقت احتجاجه في ذلك.
الفصل الثاني: في المطلق الجائز الطلاق واتفقوا على أنه الزوج العاقل البالغ الحر غير المكره، واختلفوا في طلاق المكره والسكران وطلاق المريض وطلاق المقارب للبلوغ. واتفقوا على أنه يقع طلاق المريض إن صح واختلفوا هل ترثه إن مات أم لا؟ فأما طلاق المكره فإنه غير واقع عند مالك والشافعي وأحمد وداود وجماعة، وبه قال عبد الله بن عمر وابن الزبير وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس وفرق أصحاب الشافعي بين أن ينوي الطلاق أولا ينوي شيئا، فإن نوى الطلاق فعنهم قولان أصحهما لزومه، وإن لم ينو فقولان أصحهما أنه لا يلزم، وقال أبو حنيفة وأصحابه: هو واقع. وكذلك عتقه دون بيعه، ففرقوا بين البيع والطلاق والعتق. وسبب الخلاف: هل المطلق من قبل الاكراه مختار أم ليس بمختار؟ لأنه ليس يكره على اللفظ إذ كان اللفظ إنما يقع باختياره. والمكره على الحقيقة هو الذي لم يكن له اختيار في إيقاع الشئ أصلا، وكل واحد من الفريقين يحتج بقوله عليه الصلاة والسلام رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ولكن الأظهر أن المكره على الطلاق وإن كان موقعا للفظ باختياره أنه ينطلق عليه في الشرع اسم المكره لقوله تعالى: * (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان) * وإنما فرق أبو حنيفة بين البيع والطلاق، لان الطلاق مغلظ فيه، ولذلك استوى جده وهزله. وأما طلاق الصبي، فإن المشهور عن مالك أنه لا يلزمه