فدفعها إليه عند الاجل وبعده أنه يلزمه أخذها. واختلفوا في العروض المؤجلة من السلم وغيره، فقال مالك والجمهور: إن أتى بها قبل محل الاجل لم يلزم أخذها. وقال الشافعي: إن كان مما لا يتغير ولا يقصد به النظارة لزمه أخذه كالنحاس والحديد، وإن كان مما يقصد به النظارة كالفواكه لم يلزمه. وأما إذا أتى به بعد محل الاجل فاختلف في ذلك أصحاب مالك فروي عنه أنه يلزمه قبضه مثل أن يسلم في قطائف الشتاء فيأتي بها في الصيف، فقال ابن وهب وجماعة: لا يلزمه ذلك وحجة الجمهور في أنه لا يلزمه قبض العروض قبل محل الاجل من قبل أنه من ضمانه إلى الوقت المضروب الذي قصده، ولما عليه من المؤنة في ذلك، وليس كذلك الدنانير والدراهم، إذ لا مؤنة فيها، ومن لم يلزمه بعد الاجل فحجته أنه رأى أن المقصود من العروض إنما كان وقت الاجل لا غيره.
وأما من أجاز ذلك في الوجهين، أعني بعد الاجل أو قبله فشبهه بالدنانير والدراهم.
مسألة: اختلف العلماء فيمن أسلم إلى آخر أو باع منه طعاما على مكيلة ما فأخبر البائع أو المسلم إليه المشترى بكيل الطعام، هل للمشتري أن يقبضه منه دون أن يكيله وأن يعمل في ذلك على تصديقه؟ فقال مالك: ذلك جائز في السلم وفي البيع بشرط النقد.
وإلا خيف أن يكون من باب الربا، كأنه إنما صدقه في الكيل لمكان أنه أنظره بالثمن.
وقال أبو حنيفة والشافعي والثوري والأوزاعي والليث: لا يجوز ذلك حتى يكيله البائع للمشتري مرة ثانية بعد أن كاله لنفسه بحضرة البائع. وحجتهم أنه لما كان ليس للمشتري أن يبيعه إلا بعد أن يكيله، لم يكن له أن يقبضه إلا بعد أن يكيله البائع له، لأنه لما كان من شرط البيع الكيل فكذلك القبض واحتجوا بما جاء في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان: صاع البائع، وصاع المشتري. واختلفوا إذا هلك الطعام في يد المشتري، قبل الكيل، فاختلفا في الكيل، فقال الشافعي: القول قول المشتري، وبه قال أبو ثور، وقال مالك: القول قول البائع لأنه قد صدقه المشتري عند قبضه إياه، وهذا مبني عنده على أن البيع يجوز بنفس تصديقه.
الباب الثالث: في اختلاف المتبايعين في السلم والمتبايعين في السلم إما أن يختلفا في قدر الثمن أو المثمون. وإما في جنسهما، وأما في الاجل، وإما في مكان قبض السلم، فأما اختلافهم في قدر المسلم فيه، فالقول فيه قول المسلم إليه إن أتى بما يشبه، وإلا فالقول أيضا قول المسلم إن أتى أيضا بما يشبه، فإن أتيا بما لا يشبه فالقياس أن يتحالفا ويتفاسخا. وأما اختلافهم في جنس المسلم فيه، فالحكم في ذلك التحالف والتفاسخ، مثل أن يقول أحدهما: أسلمت في تمر، ويقول الآخر: في قمح. وأما اختلافهم في الاجل فإن كان في حلوله فالقول قول المسلم إليه، وإن كان في قدره فالقول أيضا قول المسلم إليه إلا أن يأتي بما لا يشبه، مثل أن يدعي