الشئ من يده أن يخاصم فله أن يرجع بثمنه على البائع، وإن كان يحتاج في رجوعه به على البائع أن يوافقه عليه فيثبت شراءه منه إن أنكره، أو يعترف له به إن أقره فللمستحق من يده أن يأخذ الشئ من المستحق ويترك قيمته بيد المستحق. وقال الشافعي: يشتريه منه. فإن عطب في يد المستحق فهو ضامن له، وإن عطب في أثناء الحكم: ممن ضمانه؟ اختلف في ذلك، فقيل: إن عطب بعد الثبات فضمانه من المستحق وقيل: إنما يضمن المستحق بعد الحكم. وأما بعد الثبات وقبل الحكم فهو من المستحق منه، قال القاضي رضي الله عنه: وينبغي أن تعلم أن الأحكام الشرعية تنقسم قسمين: قسم يقضي به الحكام وجل ما ذكرناه في هذا الكتاب هو داخل في هذا القسم، وقسم لا يقضي به الحكام، وهذا أكثره هو داخل في المندوب إليه.
وهذا الجنس من الاحكام هو مثل رد السلام وتشميت العاطس وغير ذلك مما يذكره الفقهاء في أواخر كتبهم التي يعرفونها بالجوامع، ونحن فقد رأينا أن نذكر أيضا من هذا الجنس المشهور منه إن شاء الله تعالى. وأما ما ينبغي قبل هذا أن تعلم أن السنن المشروعة العملية المقصود منها هو الفضائل النفسانية، فمنها ما يرجع إلى تعظيم من يجب تعظيمه وشكر من يجب شكره، وفي هذا الجنس تدخل العبادات. وهذه هي السنن الكرامية، ومنها ما يرجع إلى الفضيلة التي تسمى عفة وهذه صنفان: السنن الواردة في المطعم والمشرب، والسنن الواردة في المناكح، ومنها ما يرجع إلى طلب العدل والكف عن الجور. فهذه هي أجناس السنن التي تقتضي العدل في الأموال، والتي تقتضي العدل في الأبدان، وفي هذا الجنس يدخل القصاص والحروب والعقوبات. لأن هذه كلها إنما يطلب بها العدل، ومنها السنن الواردة في الاعراض، ومنها السنن الواردة في جميع الأموال وتقويمها، وهي التي يقصد بها طلب الفضيلة التي تسمى السخاء، وتجنب الرذيلة التي تسمى البخل. والزكاة تدخل في هذا الباب من وجه، وتدخل في باب الاشتراك في الأموال، وكذلك الامر في الصدقات. ومنها سنن واردة في الاجتماع الذي هو شرط في حياة الانسان وحفظ فضائله العملية والعلمية، وهي المعبر عنها بالرياسة، ولذلك لزم أيضا أن تكون سنن الأئمة والقوام بالدين. ومن السنة المهمة في حين الاجتماع السنن الواردة في المحبة والبغضة والتعاون على إقامة هذه السنن، وهو الذي يسمى:
النهي عن المنكر والامر بالمعروف، وهي المحبة والبغضة: أي الدينية التي تكون إما من قبل الاخلال بهذه السنن، وإما من قبل سوء المعتقد في الشريعة. وأكثر ما يذكر الفقهاء في الجوامع من كتبهم ما شذ عن الأجناس الأربعة التي هي فضيلة العفة وفضيلة العدل وفضيلة الشجاعة وفضيلة السخاء، والعبادة التي هي كالشروط في تثبيت هذه الفضائل.
كمل كتاب الأقضية، وبكماله كمل جميع الديوان، والحمد لله كثيرا على ذلك كما هو أهله.