كتاب القذف والنظر في هذا الكتاب: في القذف، والقاذف، والمقذوف، وفي العقوبة الواجبة فيه، وبماذا تثبت، والأصل في هذا الكتاب قوله تعالى: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) * الآية. فأما القاذف فإنهم اتفقوا على أن من شرطه وصفين: وهما البلوغ والعقل، وسواء أكان ذكرا أو أنثى، حرا أو عبدا، مسلما أو غير مسلم. وأما المقذوف فاتفقوا على أن من شرطه أن يجتمع فيه خمسة أوصاف: البلوغ والحرية والعفاف والإسلام، وأن يكون معه آلة الزنا، فإن انخرم من هذه الأوصاف وصف لم يجب الحد، والجمهور بالجملة على اشتراط الحرية في المقذوف، ويحتمل أن يدخل في ذلك خلاف، ومالك يعتبر في سن المرأة أن تطيق الوطئ. وأما القذف الذي يجب به الحد، فاتفقوا على وجهين: أحدهما:
أن يرمي القاذف المقذوف بالزنا، والثاني: أن ينفيه عن نسبه إذا كانت أمه حرة مسلمة، واختلفوا إن كانت كافرة أو أمة، فقال مالك: سواء أكانت حرة أو أمة مسلمة أو كافرة يجب الحد. وقال إبراهيم النخعي: لا حد عليه إذا كانت أم المقذوف أمة أو كتابية، وهو قياس قول الشافعي وأبي حنيفة. واتفقوا أن القذف إذا كان بهذين المعنيين أنه إذا كان بلفظ صريح وجب الحد، واختلفوا إن كان بتعريض، فقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وابن أبي ليلى: لا حد في التعريض، إلا أن أبا حنيفة والشافعي يريان فيه التعزير، وممن قال بقولهم من الصحابة ابن مسعود، وقال مالك وأصحابه: في التعريض الحد، وهي مسألة وقعت في زمان عمر، فشاور عمر فيها الصحابة، فاختلفوا فيها عليه. فرأى عمر فيها الحد. وعمدة مالك: أن الكناية قد تقوم بعرف العادة والاستعمال الصريح وإن كان اللفظ فيها مستعملا في غير موضعه أعني مقولا بالاستعارة. وعمدة الجمهور: أن الاحتمال الذي في الاسم المستعار شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات، والحق أن الكناية قد تقوم في مواضع مقام النص، وقد تضعف في مواضع، وذلك أنه إذا لم يكثر الاستعمال لها والذي يندرئ به الحد عن القاذف أن يثبت زنا