الباب الثالث: في الخلع واسم الخلع والفدية والصلح والمبارأة كلها تؤول إلى معنى واحد، وهو بذل المرأة العوض على طلاقها، إلا أن اسم الخلع يختص ببذلها له جميع ما أعطاها والصلح ببعضه والفدية بأكثره والمبارأة بإسقاطها عنه حقا لها عليه - على ما زعم الفقهاء -. والكلام ينحصر في أصول هذا النوع من الفراق في أربعة فصول: في جواز وقوعه أولا، ثم ثانيا: في شروط وقوعه: أعني جواز وقوعه، ثم ثالثا: في نوعه: أعني هل هو طلاق أو فسخ؟ ثم رابعا: فيما يلحقه من الاحكام.
الفصل الأول: في جواز وقوعه فأما جواز وقوعه فعليه أكثر العلماء. والأصل في ذلك الكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى: * (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) *. وأما السنة فحديث ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي (ص) فقالت: يا رسول الله.. ثابت بن قيس لا أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكن أكره الكفر بعد الدخول في الاسلام، فقال رسول الله (ص): أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم. قال رسول الله (ص): اقبل الحديقة وطلقها طلقة واحدة خرجه بهذا اللفظ البخاري وأبو داود والنسائي، وهو حديث متفق على صحته، وشذ أبو بكر ابن عبد الله المزيني عن الجمهور فقال: لا يحل للزوج أن يأخذ من زوجته شيئا، واستدل على ذلك بأنه زعم أن قوله تعالى: * (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) * منسوخ بقوله تعالى:
* (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) * الآية.
والجمهور على أن معنى ذلك بغير رضاها، وأما برضاها فجائز. فسبب الخلاف حمل هذا اللفظ على عمومه أو على خصوصه.
الفصل الثاني: في شروط وقوعه فأما شروط جوازه فمنها ما يرجع إلى القدر الذي يجوز فيه، ومنها ما يرجع إلى صفة الشئ الذي يجوز به ومنها ما يرجع إلى الحال التي يجوز فيها، ومنها ما يرجع إلى صفة من يجوز له الخلع من النساء أو من أوليائهن ممن لا تملك أمرها، ففي هذا الفصل أربع مسائل:
المسألة الأولى: أما مقدار ما يجوز لها أن تختلع به فإن مالكا والشافعي وجماعة قالوا: جائز أن تختلع المرأة بأكثر مما يصير لها من الزوج في صداقها إذا كان النشوز من