حقه، فأحرى أن يحكم بما هو عنده يقين. وخصص أبو حنيفة وأصحابه ما يحكم فيه الحاكم بعلمه فقالوا: لا يقضي بعلمه في الحد ويقضي في غير ذلك، وخصص أيضا أبو حنيفة العلم الذي يقضي به فقال: يقضي بعلمه الذي علمه في القضاء، ولا يقضي بما علمه قبل القضاء. وروي عن عمر أنه قضى بعلمه على أبي سفيان لرجل من بني مخزوم. وقال بعض أصحاب مالك: يقضي بعلمه في المجلس أعني بما يسمع وإن لم يشهد عنده بذلك، وهو قول الجمهور كما قلنا، وقول المغيرة هو أجرى على الأصول، لان الأصل في هذه الشريعة لا يقضي إلا بدليل وإن كانت غلبة الظن الواقعة به أقوى من الظن الواقع بصدق الشاهدين.
الفصل الرابع: في الاقرار وأما الاقرار إذا كان بينا فلا خلاف في وجوب الحكم به، وإنما النظر فيمن يجوز إقراره ممن لا يجوز. وإذا كان الاقرار محتملا رفع الخلاف. أما من يجوز إقراره ممن لا يجوز فقد تقدم. وأما عدد الاقرارات الموجبة فقد تقدم في باب الحدود، ولا خلاف بينهم أن الاقرار مرة واحدة عامل في المال. وأما المسائل التي اختلفوا فيها من ذلك فهو من قبل احتمال اللفظ، وأنت إن أحببت أن تقف عليه فمن كتب الفروع.
الباب الرابع:
في معرفة من يقضى عليه أو له وأما على من يقضى ولمن يقضي؟ فإن الفقهاء اتفقوا على أنه يقضي لمن ليس يتهم عليه. واختلفوا في قضائه لمن يتهم عليه. فقال مالك: لا يجوز قضاؤه على من لا تجوز عليه شهادته. وقال قوم: يجوز لان القضاء يكون بأسباب معلومة وليس كذلك الشهادة.
وأما على من يقضى؟ فإنهم اتفقوا على أنه يقضى على المسلم الحاضر. واختلفوا في الغائب وفي القضاء على أهل الكتاب. فأما القضاء على الغائب، فإن مالكا والشافعي قالا:
يقضى على الغائب البعيد الغيبة، وقال أبو حنيفة: لا يقضي على الغائب أصلا، وبه قال ابن الماجشون، وقد قيل عن مالك لا يقضي في الرباع المستحقة. فعمدة من رأى القضاء حديث هند المتقدم ولا حجة فيه، لأنه لم يكن غائبا عن المصر. وعمدة من لم ير القضاء قوله عليه الصلاة والسلام: فإنما أقضي له بحسب ما أسمع وما رواه أبو داود وغيره عن علي أن النبي (ص) قال له حين أرسله إلى اليمين لا تقض لاحد الخصمين حتى تسمع من الآخر وأما الحكم على الذمي، فإن في ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يقضي بينهم إذا ترافعوا إليه بحكم المسلمين، وهو مذهب أبي حنيفة. والثاني: أنه مخير، وبه قال مالك، وعن الشافعي القولان، والثالث: أنه واجب على الامام أن يحكم بينهم وأن لم يتحاكموا إليه. فعمدة من اشترط مجيئهم للحاكم قوله تعالى: * (فإن جاؤوك فاحكم بينهم