المشتري إلا بعد القبض. وأما مالك فله في ذلك تفصيل، وذلك أن المبيعات عنده في هذا الباب ثلاثة أقسام: بيع يجب على البائع فيه حق توفية من وزن أو كيل أو عدد. وبيع ليس فيه حق توفية. وهو الجزاف أو ما لا يوزن ولا يكال ولا يعد. فأما ما كان فيه حق توفية فلا يضمن المشتري إلا بعد القبض. وأما ما ليس فيه حق توفية وهو حاضر فلا خلاف في المذهب أن ضمانه من المشتري وإن لم يقبضه. وأما المبيع، فعن مالك في ذلك ثلاث روايات: أشهرها: أن الضمان من البائع إلا أن يشترطه على المبتاع.
والثانية: أنه من المبتاع إلا أن يشترطه على البائع. والثالثة: الفرق بين ما ليس بمأمون البقاء إلى وقت الاقتضاء كالحيوان والمأكولات، وبين ما هو مضمون البقاء. والخلاف في هذه المسألة: مبني على هل القبض شرط من شروط العقد، أو حكم من أحكام العقد، والعقد لازم دون القبض؟ فمن قال القبض من شروط صحة العقد أو لزومه أو كيفما شئت أن تعبر في هذا المعنى كان الضمان عنده من البائع حتى يقبضه المشتري، ومن قال هو حكم لازم من أحكام المبيع والبيع، وقد انعقد ولزم قال: العقد يدخل في ضمان المشتري.
وتفريق مالك بين الغائب والحاضر، والذي فيه حق توفية والذي ليس فيه حق توفية استحسان، ومعنى الاستحسان في أكثر الأحوال هو الالتفات إلى المصلحة والعدل.
وذهب أهل الظاهر إلى أن بالعقد يدخل في ضمان المشتري فيما أحسب، وعمدة من رأى ذلك اتفاقهم على أن الخراج قبل القبض للمشتري، وقد قال عليه الصلاة والسلام الخراج بالضمان وعمدة المخالف حديث عتاب بن أسيد أن رسول الله (ص) لما بعثه إلى مكة قال له انههم عن بيع ما لم يقبضوا وربح ما لم يضمنوا وقد تكلمنا في شرط القبض في المبيع فيما سلف، ولا خلاف بين المسلمين أنه من ضمان المشتري بعد القبض إلا في العهدة والجوائح. وإذ قد ذكرنا العهدة فينبغي أن نذكر ههنا الجوائح.
القول في الجوائح اختلف العلماء في وضع الجوائح في الثمار. فقال بالقضاء بها مالك وأصحابه.
ومنعها أبو حنيفة والثور والشافعي - في قوله الجديد - والليث. فعمدة من قال بوضعها حديث جابر أن رسول الله (ص) قال من باع ثمرا فأصابته جائحة فلا يأخذ من أخيه شيئا. على ماذا يأخذ أحدكم مال أخيه؟ خرجه مسلم عن جابر. وما روي عنه أنه قال أمر رسول الله (ص) بوضع الجوائح. فعمدة من أجاز الجوائح حديثا جابر هذان، وقياس الشبه أيضا. وذلك أنهم قالوا: إنه مبيع بقي على البائع فيه حق توفية، بدليل ما عليه من سقيه إلى أن يكمل، فوجب أن يكون ضمانه منه أصله سائر المبيعات التي بقي لها حق توفية، والفرق عندهم بين هذا المبيع وبين سائر البيوع أن هذا بيع وقع في الشرع والمبيع لم يكمل بعد. فكأنه مستثنى من النهي عن بيع ما لم يخلق،