من المرسل، والأصول على أن على المعتدي الضمان، ووجه من فرق بين المنفلت وغير المنفلت بين، فإن المنفلت لا يملك. فسبب الخلاف في هذا الباب: معارضة الأصل للسمع، ومعارضة السماع بعضه لبعض، أعني أن الأصل يعارض جرح العجماء جبار ويعارض أيضا التفرقة التي في حديث البراء، وكذلك التفرقة التي في حديث البراء تعارض أيضا قوله: جرح العجماء جبار. ومن مسائل هذا الباب المشهورة اختلافهم في حكم ما يصاب من أعضاء الحيوان، فروي عن عمر بن الخطاب أنه قضى في عين الدابة بربع ثمنها، وكتب إلى شريح فأمره بذلك، وبه قال الكوفيون، وقضى به عمر بن عبد العزيز، وقال الشافعي ومالك: يلزم فيما أصيب من البهيمة ما نقص في ثمنها قياسا على التعدي في الأموال، والكوفيون اعتمدوا في ذلك على قول عمر رضي الله عنه وقالوا: إذا قال الصاحب قولا ولا مخالف له من الصحابة وقوله مع هذا مخالف للقياس وجب العمل به لأنه يعلم أنه إنما صار إلى القول به من جهة التوقيف. فسبب الخلاف إذن: معارضة القياس لقول الصاحب. ومن هذا الباب اختلافهم في الجمل الصؤول وما أشبهه يخاف الرجل على نفسه فيقتله، هل يجب عليه غرمه أم لا؟ فقال مالك والشافعي: لا غرم عليه إذا بان أنه خافه على نفسه، وقال أبو حنيفة والثوري: يضمن قيمته على كل حال. وعمدة من لم ير الضمان القياس على من قصد رجلا فأراد قتله، فدافع المقصود عن نفسه فقتل في المدافعة القاصد المتعدي أنه ليس عليه قود، وإذا كان ذلك في النفس كان في المال أحرى، لان النفس أعظم حرمة من المال، وقياسا أيضا على إهدار دم الصيد الحرمي إذا صال، وتمسك به حذاق أصحاب الشافعي. وعمدة أبي حنيفة أن الأموال تضمن بالضرورة إليها، أصله المضطر إلى طعام الغير ولا حرمة للبعير من جهة ما هو ذو نفس.
ومن هذا الباب اختلافهم في المكرهة على الزنا، هل على مكرهها مع الحد صداق أم لا؟ فقال مالك والشافعي والليث: عليه الصداق والحد جميعا وقال أبو حنيفة والثوري: عليه الحد ولا صداق عليه، وهو قول ابن شبرمة. وعمدة مالك أنه يجب عليه حقان: حق الله وحق للآدمي، فلم يسقط أحدهما الآخر، أصله السرقة التي يجب بها عندهم غرم المال والقطع. وأما من لم يوجب الصداق، فتعلق في ذلك بمعنيين: أحدهما: أنه إذا اجتمع حقان: حق لله وحق للمخلوق سقط حق المخلوق لحق الله، وهذا على رأي الكوفيين في أنه لا يجمع على السارق غرم وقطع. والمعنى الثاني: أن الصداق ليس مقابل البضع، وإنما هو عبادة إذ كان النكاح شرعيا، وإذا كان ذلك كذلك فلا صداق في النكاح الذي على غير الشرع. ومن مسائلهم المشهورة في هذا الباب من غصب أسطوانة فبنى عليها بناء يساوي قائما أضعاف قيمة الأسطوانة، فقال مالك والشافعي: يحكم على الغاصب بالهدم ويأخذ المغصوب منه أسطوانته، وقال أبو حنيفة: تفوت بالقيمة كقول مالك فيمن غير المغصوب بصناعة لها قيمة كثيرة، وعند الشافعي لا يفوت المغصوب بشئ من الزيادة. وهنا انقضى هذا الكتاب.