وقال قوم: لا تجب له الشفعة: لأنه إنما ثبت له مال الشركة يوم الاستحقاق، قالوا: ألا ترى أنه يأخذ الغلة من المشتري؟ فأما مالك فقال: إن طال الزمان فلا شفعة، وإن لم يطل ففيه الشفعة، وهو استحسان. وأما متى يأخذ وهل له الشفعة؟ فإن الذي له الشفعة رجلان: حاضر أو غائب. فأما الغائب فأجمع العلماء على أن الغائب على شفعته ما لم يعلم ببيع شريكه. واختلفوا إذا علم وهو غائب، فقال قوم: تسقط شفعته، وقال قوم: لا تسقط، وهو مذهب مالك والحجة له ما روي عن النبي (ص) من حديث جابر أنه قال:
الجار أحق بصقبه أو قال: بشفعته ينتظر بها إذا كان غائبا وأيضا فإن الغائب في الأكثر معوق عن الاخذ بالشفعة، فوجب عذره. وعمدة الفريق الثاني أن سكوته مع العلم قرينة تدل على رضاه بإسقاطها. وأما الحاضر، فإن الفقهاء اختلفوا في وقت وجوب الشفعة له، فقال الشافعي وأبو حنيفة: هي واجبة له على الفور بشرط العلم وإمكان الطلب، فإن علم وأمكن ولم يطلب بطلت شفعته، إلا أن أبا حنيفة قال: إن أشهد بالأخذ لم تبطل وإن تراخى. وأما مالك فليست عنده على الفور، بل وقت وجوبها متسع. واختلف قوله في هذا الوقت هل هو محدود أم لا؟ فمرة قال: هو غير محدود وأنها لا تنقطع أبدا إلا أن يحدث المبتاع بناء أو تغييرا كثيرا بمعرفته وهو حاضر عالم ساكت، ومرة حدد هذا الوقت، فروي عنه السنة وهو الأشهر، وقيل أكثر من سنة، وقد قيل عنه أن الخمسة أعوام لا تنقطع فيها الشفعة. واحتج الشافعي بما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: الشفعة كحل العقال وقد روي الشافعي أن أمدها ثلاثة أيام. وأما من لم يسقط الشفعة بالسكوت واعتمد على أن السكوت لا يبطل حق امرئ مسلم ما لم يظهر من قرائن أحواله ما يدل على إسقاطه، وكان هذا أشبه بأصول الشافعي، لان عنده أنه ليس يجب أن ينسب إلى ساكت قول قائل، وإن اقترنت به أحوال تدل على رضاه، ولكنه فيما أحسب اعتمد الأثر.
فهذا هو القول في أركان الشفعة وشروطها المصححة لها وبقي القول في الاحكام.
القسم الثاني: القول في أحكام الشفعة وهذه الأحكام كثيرة، ولكن نذكر منها ما اشتهر فيه الخلاف بين فقهاء الأمصار، فمن ذلك اختلافهم في ميراث حق الشفعة، فذهب الكوفيون إلى أنه لا يورث كما أنه لا يباع، وذهب مالك والشافعي وأهل الحجاز إلى أنها موروثة قياسا على الأموال وقد تقدم.
سبب الخلاف في هذه المسائل في مسألة الرد بالعيب. ومنها اختلافهم في عهدة الشفيع هل هي على المشتري أو على البائع، فقال مالك والشافعي: هي على المشتري: وقال ابن أبي ليلى: هي على البائع وعمدة مالك أن الشفعة إنما وجبت للشريك بعد حصول ملك المشتري وصحته، فوجب أن تكون عليه العهدة. وعمدة الفريق الآخر أن الشفعة إنما وجبت للشريك بنفس البيع، فطروها على البيع فسخ له وعقد لها. وأجمعوا على أن الإقالة