صرفته في منافعها ضامنة للنصف. واختلفوا إذا اشترت به ما يصلحها للجهاز مما جرت به العادة هل يرجع عليها بنصف ما اشترته أم بنصف الصداق الذي هو الثمن؟ فقال مالك: يرجع عليها بنصف ما اشترته، وقال أبو حنيفة والشافعي: يرجع عليها بنصف الثمن الذي هو الصداق. واختلفوا من هذا الباب في فرع مشهور متعلق بالسماع وهو هل للأب أن يعفو عن نصف الصداق في ابنته البكر؟ أعني إذا طلقت قبل الدخول، وللسيد في أمته؟ فقال مالك:
ذلك له، وقال أبو حنيفة والشافعي: ليس ذلك له. وسبب اختلافهم: هو الاحتمال الذي في قوله تعالى: * (إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) * وذلك في لفظة يعفو فإنها تقال في كلام العرب مرة بمعنى يسقط ومرة بمعنى يهب، وفي قوله: * (الذي بيده عقدة النكاح) * على من يعود هذا الضمير هل على الولي أو على الزوج، فمن قال على الزوج جعل يعفو بمعنى يهب ومن قال على الولي جعل يعفو بمعنى يسقط، وشذ قوم فقالوا: لكل ولي أن يعفو عن نصف الصداق الواجب للمرأة، ويشبه أن يكون هذان الاحتمالان اللذان في الآية على السواء، لكن من جعله الزوج فلم يوجب حكما زائدا في الآية: أي شرعا زائدا، لأن جواز ذلك معلوم من ضرورة الشرع. ومن جعله الولي، إما الأب وإما غيره فقد زاد شرعا، فلذلك يجب عليه أن يأتي بدليل يبين به أن الآية أظهر في الولي منها في الزوج وذلك شئ يعسر، والجمهور على أن المرأة الصغير والمحجورة ليس لها أن تهب من صداقها النصف الواجب لها، وشذ قوم فقالوا: يجوز أن تهب مصيرا لعموم قوله تعالى: * (إلا أن يعفون) * واختلفوا من هذا الباب في المرأة إذا وهبت صداقها لزوجها ثم طلقت قبل الدخول، فقال مالك: ليس يرجع عليها بشئ، وقال الشافعي: يرجع عليها بنصف الصداق. وسبب الخلاف: هل النصف الواجب للزوج بالطلاق هو في عين الصداق أو في ذمة المرأة؟ فمن قال في عين الصداق قال: لا يرجع عليها بشئ لأنه قبض الصداق كله، ومن قال هو في ذمة المرأة قال: يرجع وإن وهبته له كما لو وهبت له غير ذلك من مالها. وفرق أبو حنيفة في هذه المسألة بين القبض ولا قبض. فقال: إن قبضت فله النصف وإن لم تقبض حتى وهبت فليس له شئ كأنه رأى أن الحق في العين ما لم تقبض، فإذا قبضت صار في الذمة.
الموضع الرابع: في التفويض وأجمعوا على أن نكاح التفويض جائز، وهو أن يعقد النكاح دون صداق لقوله تعالى: * (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) *. واختلفوا من ذلك في موضعين: أحدهما: إذا طلبت الزوجة فرض الصداق واختلفا في القدر. الموضع الثاني: إذا مات الزوج ولم يفرض هل لها صداق أم لا؟.
فأما المسألة الأولى: وهي إذا قامت المرأة تطلب أن يفرض لها مهرا، فقالت طائفة: