كتاب الديات في النفوس والأصل في هذا الباب قوله تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا) * والديات تختلف في الشريعة بحسب اختلاف الدماء، وبحسب اختلاف الذين تلزمهم الدية، وأيضا تختلف بحسب العمد إذا رضي بها الفريقان، وأما من له القود على ما تقدم من الاختلاف. والنظر في الدية هو في موجبها، أعني في أي قتل تجب، ثم في نوعها وفي قدرها، وفي الوقت الذي تجب فيه، وعلى من تجب. فأما في أي قتل تجب، فإنهم اتفقوا على أنها تجب في قتل الخطأ وفي العمد الذي يكون من غير مكلف مثل المجنون والصبي، وفي العمد الذي تكون حرمة المقتول فيه ناقصة عن حرمة القاتل، مثل الحر والعبد. ومن قتل الخطأ ما اتفقوا على أنه خطأ، ومنه ما اختلفوا فيه، وقد تقدم صدر من ذلك، وسيأتي بعد ذلك اختلافهم في تضمين الراكب والسائق والقائد.
وأما قدرها ونوعها، فإنهم اتفقوا على أن دية الحر المسلم على أهل الإبل مائة من الإبل، وهي في مذهب مالك ثلاث ديات: دية الخطأ، ودية العمد إذا قبلت، ودية شبه العمد. وهي عند مالك في الأشهر عنه مثل فعل المدلجي بابنه. وأما الشافعي فالدية عنده اثنان فقط: مخففة ومغلظة. فالمخففة دية الخطأ، والمغلظة دية العمد ودية شبه العمد. وأما أبو حنيفة فالديات عنده اثنان أيضا: دية الخطأ ودية شبه العمد، وليس عنده دية في العمد وإنما الواجب عنده في العمد ما اصطلحا عليه وهو حال عليه غير مؤجل، وهو معنى قول مالك المشهور، لأنه إذا لم تلزمه الدية عنده إلا باصطلاح فلا معنى لتسميتها دية، إلا ما روي عنه أنها تكون مؤجلة كدية الخطأ فهنا يخرج حكمها عن حكم المال المصطلح عليه، ودية العمد عنده أرباع: خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة، وهو قول ابن شهاب وربيعة، والدية المغلظة عنده أثلاثا: ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة وهي الحوامل، ولا تكون المغلظة عنده في المشهور إلا في مثل فعل المدلجي بابنه، وعند الشافعي أنها تكون في شبه العمد أثلاثا