فوجب أن يكون في ضمانه مخالفا لسائر المبيعات. وأما عمدة من لم يقل بالقضاء بها فتشبيه هذا البيع بسائر المبيعات وأن التخلية في هذا المبيع هو القبض. وقد اتفقوا على أن ضمان المبيعات بعد القبض من المشتري، ومن طريق السماع أيضا حديث أبي سعيد الخدري قال أجيح رجل في ثمار ابتاعها وكثر دينه، فقال رسول الله (ص):
تصدقوا عليه، فتصدق عليه فلم يبلغ وفاء دينه. فقال رسول الله (ص): خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك قالوا: فلم يحكم بالجائحة. فسبب الخلاف: في هذه المسألة هو تعارض الآثار فيها وتعارض مقاييس الشبه، وقد رام كل واحد من الفريقين صرف الحديث المعارض للحديث الذي هو الأصل عنده بالتأويل، فقال من منع الجائحة:
يشبه أن يكون الامر بها إنما ورد من قبل النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، قالوا: ويشهد لذلك أنه لما كثر شكواهم بالجوائح أمروا أن لا يبيعوا الثمر إلا بعد أن يبدو صلاحه، وذلك في حديث زيد بن ثابت المشهور، وقال من أجازها في حديث أبي سعيد: يمكن أن يكون البائع عديما فلم يقض عليه بجائحة أو أن يكون المقدار الذي أصيب من الثمر مقدارا لا يلزم فيه جائحة، أو أن يكون أصيب في غير الوقت الذي تجب فيه الجائحة، مثل أن يصاب بعد الجذاذ أو بعد الطيب. وأما الشافعي فروى حديث جابر عن سليمان بن عتيق عن جابر، وكان يضعفه ويقول: إنه اضطرب في ذكر وضع الجوائح فيه ولكنه قال: إن ثبت الحديث وجب وضعها في القليل والكثير، ولا خلاف بينهم في القضاء بالجائحة بالعطش، وقد جعل القائلون بها اتفاقهم في هذا حجة على إثباتها. والكلام في أصول الجوائح على مذهب مالك ينحصر في أربعة فصول: الأول: في معرفة الأسباب الفاعلة للجوائح. والثاني: في محل الجوائح من المبيعات. الثالث: في مقدار ما يوضع منه فيه. الرابع: في الوقت الذي توضع فيه.
الفصل الأول: في معرفة الأسباب الفاعلة للجوائح وأما ما أصاب الثمرة من السماء مثل البرد والقحط وضده والعفن، فلا خلاف في المذهب أنه جائحة. وأما العطش - كما قلنا - فلا خلاف بين الجميع أنه جائحة. وأما ما أصاب من صنع الآدميين فبعض من أصحاب مالك رآه جائحة، وبعض لم يره جائحة.
والذين رأوه جائحة انقسموا قسمين: فبعضهم رأى منه جائحة ما كان غالبا كالجيش ولم ير ما كان منه بمغافصة جائحة مثل السرقة، وبعضهم جعل كل ما يصيب الثمرة من جهة