وضعت لبراءة الرحم، وهذه قد حصلت لها البراءة. وحجة الجمهور أنها مطلقة فوجب أن تعتد كسائر المطلقات. وسبب الخلاف: أن العدة جمعت عبادة ومصلحة. فمن لحظ جانب المصلحة لم ير عليها عدة، ومن لحظ جانب العبادة أوجب عليها العدة.
المسألة التاسعة: وأما إيلاء العبد، فإن مالكا قال: إيلاء العبد شهران على النصف من إيلاء الحر، قياسا على حدوده وطلاقه. وقال الشافعي وأهل الظاهر: إيلاؤه مثل إيلاء الحر أربعة أشهر تمسكا بالعموم. والظاهر أن تعلق الايمان بالحر والعبد سواء، والايلاء يمين، وقياسا أيضا على مدة العنين، وقال أبو حنيفة: النقص الداخل على الايلاء معتبر بالنساء لا بالرجال كالعدة، فإن كانت المرأة حرة كان الايلاء إيلاء الحر وإن كان الزوج عبدا، وإن كانت أمة فعلى النصف. وقياس الايلاء على الحد غير جيد، وذلك أن العبد إنما كان حده أقل من حد الحر، لان الفاحشة منه أقل قبحا، ومن الحر أعظم قبحا، ومدة الايلاء إنما ضربت جمعا بين التوسعة على الزوج وبين إزالة الضرر عن الزوجة، فإذا فرضنا مدة أقصر من هذه كان أضيق على الزوج وأنفى للضرر على الزوجة، والحر أحب التوسعة ونفي الضرر عنه، فلذلك كان يجب على هذا القياس أن لا ينقص من الايلاء إلا إذا كان الزوج عبدا والزوجة حرة فقط، وهذا لم يقل به أحد، فالواجب التسوية. والذين قالوا بتأثير الرق في مدة الايلاء اختلفوا في زوال الرق بعد الايلاء، هل ينتقل إلى إيلاء الأحرار أم لا؟ فقال مالك: لا ينتقل من إيلاء العبيد إلى إيلاء الأحرار، وقال أبو حنيفة: ينتقل، فعنده أن الأمة إذا عتقت وقد آلى زوجها منها انتقلت إلى إيلاء الأحرار، وقال ابن القاسم: الصغيرة التي لا يجامع مثلها لا إيلاء عليها، فإن وقع وتمادى حسبت الأربعة الأشهر من يوم بلغت، وإنما قال ذلك لأنه لا ضرر عليها في ترك الجماع، وقال أيضا لا إيلاء على خصي ولا على من لا يقدر على الجماع.
المسألة العاشرة: وأما هل من شرط رجعة المولي أن يطأ في العدة أم لا؟ فإن الجمهور ذهبوا إلى أن ذلك ليس من شرطها، وأما مالك فإنه قال: إذا لم يطأ فيها من غير عذر: مرض أو ما أشبه ذلك فلا رجعة عنده له عليها وتبقى على عدتها، ولا سبيل له إليها إذا انقضت العدة.
وحجة الجمهور أنه لا يخلو أن يكون الايلاء يعود برجعته إياها في العدة أو لا يعود، فإن عاد لم يعتبر واستؤنف الايلاء من وقت الرجعة، أعني تحسب مدة الايلاء من وقت الرجعة، وإن لم يعد إيلاء لم يعتبر أصلا إلا على مذهب من يرى أن الايلاء يكون بغير يمين، وكيفما كان فلا بد من اعتبار الأربعة الأشهر من وقت الرجعة، وأما مالك فإنه قال: كل رجعة من طلاق كان لرفع ضرر، فإن صحة الرجعة معتبرة فيه بزوال ذلك الضرر، وأصله المعسر بالنفقة إذا طلق عليه ثم ارتجع، فإن رجعته تعتبر صحتها بيساره. فسبب الخلاف: قياس الشبه، وذلك أن من شبه الرجعة بابتداء النكاح أوجب فيها تجدد الايلاء، ومن شبه هذه الرجعة برجعة المطلق لضرر لم يرتفع منه ذلك الضرر قال: يبقى على الأصل.