عند الرد، وقول بإثبات الصرف ووجوب البدل، وقول بالفرق بين القليل والكثير، وقول بالتخيير بين بدل الزائف أيكون شريكا له. وسبب الخلاف في هذا كله: هل الغلبة على التأخير في الصرف مؤثرة فيه أو غير مؤثرة؟ وإن كانت مؤثرة فهل هي مؤثرة في القليل أو في الكثير؟ وأما وجود النقصان فإن المذهب اضطرب فيه، فمرة قال فيه إنه إن رضي بالنقصان جاز الصرف، وإن طلب البدل انتقض الصرف قياسا على الزيوف، ومرة قال:
يبطل الصرف وإن رضي به، وهو ضعيف. واختلفوا أيضا إذا قبض بعض الصرف وتأخر بعضه، أعني الصرف المنعقد على التناجز، فقيل يبطل الصرف كله، وبه قال الشافعي، وقيل يبطل منه المتأخر فقط، وبه قال أبو حنيفة ومحمد وأبو يوسف، والقولان في المذهب. ومبنى الخلاف: في الصفقة الواحدة يخالطها حرام وحلال هل تبطل الصفقة كلها، أو الحرام منها فقط؟
المسألة الخامسة: أجمع العلماء على أن المراطلة جائزة في الذهب بالذهب وفي الفضة بالفضة، وإن اختلف العدد لاتفاق الوزن، وذلك إذا كانت صفة الذهبين واحدة. واختلفوا في المراطلة في الموضعين: أحدهما: أن تختلف صفة الذهبين. والثاني: أن ينقص أحد الذهبين عن الآخر. فيريه الآخر أن يزيد بذلك عرضا أو دراهم إن كانت المراطلة بذهب، أو ذهبا إن كانت المراطلة بدراهم، فذهب مالك: أما في الموضع الأول، وهو أن يختلف جنس المراطل بهما في الجودة والرداءة أنه متى راطل بأحدهما بصنف من الذهب الواحد وأخرج الآخر ذهبين، أحدهما أجود من ذلك الصنف الواحد والآخر أردأ، فإن ذلك عنده لا يجوز، وإن كان الصنف الواحد من الذهبين، أعني الذي أخرجه وحده أجود من الذهبين المختلفين اللذين أخرجهما الآخر أو أردأ منهما معا، أو مثل أحدهما وأجود من الثاني جازت المراطلة عنده. وقال الشافعي: إذا اختلف الذهبان فلا يجوز ذلك. وقال أبو حنيفة وجميع الكوفيين والبصريين: يجوز جميع ذلك. وعمدة مذهب مالك في منعه ذلك الاتهام، وهو مصير إلى القول بسد الذرائع، وذلك أنه يتهم أن يكون المراطل إنما قصد بذلك بيع الذهبين متفاضلا، فكأنه أعطى جزءا من الوسط بأكثر منه من الأردأ، أو بأقل منه من الأعلى، فيتذرع من ذلك إلى بيع الذهب بالذهب متفاضلا، مثال ذلك أن إنسانا قال لآخر: خذ مني خمسة وعشرين مثقالا وسطا بعشرين من الأعلى، فقال: لا يجوز هذا لنا، ولكن أعطيك عشرين من الأعلى وعشرة أدنى من ذهبك، وتعطيني أنت ثلاثين من الوسط، فتكون العشرة الأدنى يقابلها خمسة من ذهبك، ويقابل العشرين من ذهب الوسط العشرين من ذهبك الأعلى. وعمدة الشافعي اعتبار التفاضل الموجود في القيمة. وعمدة أبي حنفية اعتبار وجود الوزن من الذهبين ورد القول بسد الذرائع، وكمثل اختلافهم في المصارفة التي تكون بالمراطلة اختلفوا في هذا الموضع في المصارفة التي تكون بالعدد، أعني إذا اختلفت جودة الذهبين أو الا ذهاب. وأما اختلافهم