الفقهاء، والجمهور أن الفرقة ههنا إنما وقعت عقوبة للعلم بأن أحدهما كاذب.
الباب الثالث: فيما يكون به القضاء والقضاء يكون بأربع: بالشهادة، وباليمين، وبالنكول، وبالإقرار، أو بما تركب من هذه، ففي هذا الباب أربعة فصول.
الفصل الأول: في الشهادة والنظر في الشهود في ثلاثة أشياء: في الصفة، والجنس والعدد. فأما عدد الصفات المعتبرة في قبول الشاهد بالجملة فهي خمسة: العدالة، والبلوغ، والإسلام، والحرية، ونفي التهمة. وهذه منها متفق عليها، ومنها مختلف فيها. أما العدالة، فإن المسلمين اتفقوا على اشتراطها في قبول شهادة الشاهد لقوله تعالى: * (ممن ترضون من الشهداء) * ولقوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) *. واختلفوا فيما هي العدالة، فقال الجمهور: هي صفة زائدة على الاسلام، هو أن يكون ملتزما لواجبات الشرع ومستحباته، مجتنبا للمحرمات والمكروهات، وقال أبو حنيفة: يكفي في العدالة ظاهر الاسلام، وأن لا تعلم منه جرحة. وسبب الخلاف: كما قلنا ترددهم في مفهوم اسم العدالة المقابلة للفسق. وذلك أنهم اتفقوا على أن شهادة الفاسق لا تقبل لقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ) * الآية. ولم يختلفوا أن الفاسق تقبل شهادته إذا عرفت توبته، إلا من كان فسقه من قبل القذف، فإن أبا حنيفة يقول: لا تقبل شهادته وإن تاب.
والجمهور يقولون: تقبل. وسبب الخلاف: هل يعود الاستثناء في قوله تعالى: * (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك) * إلى أقرب مذكور إليه، أو على الجملة إلا ما خصصه الاجماع، وهو أن التوبة لا تسقط عنه الحد، وقد تقدم هذا. وأما البلوغ فإنهم اتفقوا على أنه يشترط حيث تشترط العدالة. واختلفوا في شهادة الصبيان بعضهم على بعض في الجراح وفي القتل، فردها جمهور فقهاء الأمصار لما قلناه من وقوع الاجماع على أن من شرط الشهادة العدالة، ومن شرط العدالة البلوغ، ولذلك ليست في الحقيقة شهادة عند مالك، وإنما هي قرينة حال. ولذلك اشترط فيها أن لا يتفرقوا لئلا يجبنوا. واختلف أصحاب مالك هل تجوز إذا كان بينهم كبير أم لا؟ ولم يختلفوا أنه يشترط فيها العدة المشترطة في الشهادة، واختلفوا هل يشترط فيها الذكورة أم لا؟ واختلفوا أيضا هل تجوز في القتل الواقع بينهم؟ ولا عمدة لمالك في هذا إلا أنه مروي