منفعة القابض، أصله القرض والعارية عند الشافعي، وكذلك أيضا من لم ينصب نفسه لم يكن في تضمينه سد ذريعة، والأجير عند مالك كما قلنا لا يضمن إلا أنه استحسن تضمين حامل القوت وما يجري مجراه، وكذلك الطحان وما عدا غيرهم فلا يضمن إلا بالتعدي، وصاحب الحمام لا يضمن عنده، هذا هو المشهور عنه، وقد قيل يضمن. وشذ أشهب فضمن الصناع ما قامت البينة على هلاكه عندهم من غير تعد منهم ولا تفريط وهو شذوذ، ولا خلاف أن الصناع لا يضمنون ما لم يقبضوا في منازلهم. واختلف أصحاب مالك إذا قامت البينة على هلاك المصنوع وسقط الضمان عنهم هل تجب لهم الأجرة أم لا، إذا كان هلاكه بعد إتمام الصنعة أو بعد تمام بعضها؟ فقال ابن القاسم: لا أجرة لهم، وقال ابن المواز: لهم الأجرة، ووجه ما قال ابن المواز أن المصيبة إذا نزلت بالمستأجر فوجب أن لا يمضي عمل الصانع باطلا، ووجه ما قال ابن القاسم أن الأجرة إنما استوجبت في مقابلة العمل، فأشبه ذلك إذا هلك بتفريط من الأجير، وقول ابن المواز أقيس، وقول ابن القاسم أكثر نظرا إلى المصلحة لأنه رأى أن يشتركوا في المصيبة. ومن هذا الباب اختلافهم في ضمان صاحب السفينة، فقال مالك: لا ضمان عليه، وقال أبو حنيفة: عليه الضمان إلا من الموج، وأصل مذهب مالك أن الصناع يضمنون كل ما أتى على أيديهم من حرق أو كسر في المصنوع أو قطع إذا عمله في حانوته، وإن كان صاحبه قاعدا معه، إلا فيما كان فيه تغرير من الأعمال، مثل ثقب الجوهر ونقش الفصوص وتقويم السيوف واحتراق الخبز عند الفران، والطبيب يموت العليل من معالجته وكذلك البيطار إلا أن يعلم أنه تعدى فيضمن حينئذ. وأما الطبيب وما أشبهه إذا أخطأ في فعله، وكان من أهل المعرفة فلا شئ عليه في النفس، والدية على العاقلة فيما فوق الثلث وفي ماله فيما دون الثلث، وإن لم يكن من أهل المعرفة فعليه الضرب والسجن والدية قيل في ماله، وقيل على العاقلة.
الفصل الثالث: في معرفة حكم الاختلاف وهو النظر في الاختلاف، وفي هذا الباب أيضا مسائل: فمنها أنهم اختلفوا إذا اختلف الصانع ورب المصنوع في صفة الصنعة فقال أبو حنيفة: القول قول رب المصنوع، وقال مالك وابن أبي ليلى: القول قول الصانع. وسبب الخلاف: من المدعي منهما على صاحبه، ومن المدعى عليه؟ ومنها إذا ادعى الصناع رد ما استصنعوا فيه، وأنكر ذلك الدافع، فالقول عند مالك قول الدافع، وعلى الصناع البينة لأنهم كانوا ضامنين لما في أيديهم، وقال ابن الماجشون: القول قول الصناع إن كان ما دفع إليهم دفع بغير بينة، وإن كان دفع إليهم ببينة فلا يبرؤون إلا ببينة. وإذا اختلف الصانع ورب المتاع في دفع الأجرة، فالمشهور في المذهب أن القول قول الصانع مع يمينه إن قام بحدثان ذلك، وإن تطاول فالقول قول رب المصنوع، وكذلك إذا اختلف المكري والمكتري، وقيل بل القول قول