كتاب الأقضية وأصول هذا الكتاب تنحصر في ستة أبواب: أحدها: في معرفة من يجوز قضاؤه.
والثاني: في معرفة ما يقضي به. والثالث: في معرفة ما يقضي فيه. والرابع: في معرفة من يقضي عليه أو له. والخامس: في كيفية القضاء. والسادس: في وقت القضاء.
الباب الأول: في معرفة من يجوز قضاؤه النظر في هذا الباب فيمن يجوز قضاؤه، وفيما يكون به أفضل. فأما الصفات المشترطة في الجواز. فأن يكون حرا مسلما بالغا ذكرا عاقلا عدلا. وقد قيل في المذهب: إن الفسق يوجب العزل ويمضي ما حكم به. واختلفوا في كونه من أهل الاجتهاد، فقال الشافعي: يجب أن يكون من أهل الاجتهاد، ومثله حكى عبد الوهاب عن المذهب، وقال أبو حنيفة: يجوز حكم العامي. قال القاضي: وهو ظاهر ما حكاه جدي - رحمة الله عليه - في المقدمات عن المذهب لأنه جعل كون الاجتهاد فيه من الصفات المستحبة. وكذلك اختلفوا في اشتراط الذكورة، فقال الجمهور: هي شرط في صحة الحكم، وقال أبو حنيفة: يجوز أن تكون المرأة قاضيا في الأموال، قال الطبري: يجوز أن تكون المرأة حاكما على الاطلاق في كل شئ، قال عبد الوهاب: ولا أعلم بينهم اختلافا في اشتراط الحرية، فمن رد قضاء المرأة شبهه بقضاء الإمامة الكبرى، وقاسها أيضا على العبد لنقصان حرمتها. ومن أجاز حكمها في الأموال فتشبيها بجواز شهادتها في الأموال، ومن رأى حكمها نافذا في كل شئ قال: إن الأصل هو أن كل من يتأتى منه الفصل بين الناس فحكمه جائز إلا ما خصصه الاجماع من الإمامة الكبرى. وأما اشتراط الحرية فلا خلاف فيه، ولا خلاف في مذهب مالك أن السمع والبصر والكلام مشترطة في استمرار ولايته وليس شرطا في جواز ولايته، وذلك أن من صفات القاضي في المذهب ما هي شرط في الجواز، فهذا إذا ولي عزل وفسخ جميع ما حكم به. ومنها ما هي شرط في الاستمرار وليست شرطا في الجواز، فهذا إذا ولي القضاء عزل ونفذ ما حكم به إلا أن يكون جورا. ومن هذا الجنس عندهم هذه الثلاث صفات. ومن شرط القضاء عند مالك أن