بسم الله الرحمن الرحيم وصل الله على سيدنا محمد واله وصحبه وسلم تسليما كتاب الجعل والجعل هو الإجارة على منفعة مظنون حصولها، مثل مشارطة الطبيب على البرء والمعلم على الحذاق والناشد على وجود العبد الآبق. وقد اختلف العلماء في منعه وجوازه، فقال مالك: يجوز ذلك في اليسير بشرطين: أحدهما أن لا يضرب لذلك أجلا. والثاني: أن يكون الثمن معلوما، وقال أبو حنيفة: لا يجوز، وللشافعي قولان. وعمدة من أجازه قوله تعالى: * (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) * وإجماع الجمهور على جوازه في الإباق والسؤال، وما جاء في الأثر من أخذ الثمن على الرقية بأم القرآن. وقد تقدم ذلك. وعمدة من منعه الغرر الذي فيه قياسا على سائر الإجارات، ولا خلاف في مذهب مالك أن الجعل لا يستحق شئ منه إلا بتمام العمل وأنه ليس بعقد لازم. واختلف مالك وأصحابه في هذا الباب في كراء السفينة، هل هو جعل أو إجارة؟ فقول مالك: ليس لصاحبها كراء إلا بعد البلوغ، وهو قول ابن القاسم ذهابا إلى أن حكمها حكم الجعل. وقال ابن نافع من أصحابه: له قدر ما بلغ من المسافة، فأجرى حكمه مجرى الكراء. وقال أصبغ: إن لجج فهو جعل وإن لم يلجج فهو إجارة له بحسب الموضع الذي وصل إليه. والنظر في هذا الباب في جوازه ومحله وشروطه وأحكامه. ومحله هو ما كان من الأفعال لا ينتفع الجاعل بجزء منه، لأنه إذا انتفع الجاعل بجزء مما عمل الملتزم للجعل، ولم يأت بالمنفعة التي انعقد الجعل عليها، وقلنا على حكم الجعل أنه إذا لم يأت بالمنفعة التي انعقد الجعل عليها لم يكن له شئ، فقد انتفع الجاعل بعمل المجعول من غير أن يعوضه من عمله بأجر وذلك ظلم، ولذلك يختلف الفقهاء في كثير من المسائل هل هو جعل أو إجارة مثل مسألة السفينة المتقدمة هل هي مما يجوز فيها الجعل أو لا يجوز مثل اختلافهم في المجاعلة على حفر الآبار، وقالوا في المغارسة إنها تشبه الجعل من جهة والبيع من جهة، وهي عند مالك أن يعطي الرجل أرضه لرجل على أن يغرس فيه عددا من الثمار معلوما، فإذا استحق الثمر كان للغارس جزء الأرض متفق عليه.
(١٩٠)