كتاب أمهات الأولاد وأصول هذا الباب النظر في هل تباع أم الولد أم لا؟ وإن كانت لا تباع فمتى تكون أم ولد، وبماذا تكون أم ولد، وما يبقى فيها لسيدها من أحكام العبودية، ومتى تكون حرة؟
أما المسألة الأولى: فإن العلماء اختلفوا فيها سلفهم وخلفهم، فالثابت عن عمر رضي الله عنه أنه قضى بأنها لا تباع وأنها حرة من رأس مال سيدها إذا مات. وروي مثل ذلك عن عثمان، وهو قول أكثر التابعين وجمهور فقهاء الأمصار. وكان أبو بكر الصديق وعلي رضوان الله عليهما وابن عباس وابن الزبير وجابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري يجيزون بيع أم الولد، وبه قالت الظاهرية من فقهاء الأمصار. وقال جابر وأبو سعيد: كنا نبيع أمهات الأولاد والنبي عليه الصلاة والسلام فينا لا يرى بذلك بأسا. واحتجوا بما روي عن جابر أنه قال: كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر وصدر من خلافة عمر، ثم نهانا عمر عن بيعهن ومما اعتمد عليه أهل الظاهر في هذه المسألة النوع من الاستدلال الذي يعرف باستصحاب حال الاجماع، وذلك أنهم قالوا: لما انعقد الاجماع على أنها مملوكة قبل الولادة، وجب أن تكون كذلك بعد الولادة إلى أن يدل الدليل على غير ذلك، وقد تبين في كتب الأصول قوة هذا الاستدلال، وأنه لا يصح عند من يقول بالقياس، وإنما يكون ذلك دليلا بحسب رأي من ينكر القياس، وربما احتج الجمهور عليهم بمثل احتجاجهم، وهو الذي يعرفونه بمقابلة الدعوى بالدعوى، وذلك أنهم يقولون: أليس تعرفون أن الاجماع قد انعقد على منع بيعها في حال حملها، فإذا كان ذلك وجب أن يستصحب حال هذا الاجماع بعد وضع الحمل، إلا أن المتأخرين من أهل الظاهر أحدثوا في هذا الأصل نقضا، وذلك أنهم لا يسلمون منع بيعها حاملا. ومما اعتمده الجمهور في هذا الباب من الأثر ما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال في مارية سريته لما ولدت إبراهيم: أعتقها ولدها ومن ذلك حديث ابن عباس عن النبي (ص) أنه قال:
أيما امرأة ولدت من سيدها فإنها حرة إذا مات وكلا الحديثين لا يثبت عند أهل الحديث،