لغيره، إما من قبل أن الشرع خصه بذلك وإما من قبل أن ما يوجد فيه من الرأفة والرحمة لا يوجد في غيره، وهو الذي ذهب إليه مالك رضي الله عنه، وما ذهب إليه أظهر والله أعلم إلا أن يكون هناك ضرورة. وقد احتج الحنفية بجواز إنكاح الصغار غير الآباء بقوله تعالى: * (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * قال:
واليتيم لا ينطلق إلا على غير البالغة. والفريق الثاني قالوا: إن اسم اليتيم قد ينطلق على بالغة بدليل قوله عليه الصلاة والسلام تستأمر اليتيمة والمستأمرة هي من أهل الاذن وهي البالغة، فيكون لاختلافهم سبب آخر، وهو اشتراك اسم اليتيم، وقد احتج أيضا من لم يجز نكاح غير الأب لها بقوله عليه الصلاة والسلام تستأمر اليتيمة في نفسها قالوا:
والصغيرة ليست من أهل الاستئمار باتفاق، فوجب المنع، ولأولئك أن يقولوا: أن هذا حكم اليتيمة التي هي من أهل الاستئمار، وأما الصغيرة فمسكوت عنها. وأما: هل يزوج الولي غير الأب الصغير؟ فإن مالكا أجازه للوصي، وأبا حنيفة أجازه للأولياء، إلا أن أبا حنيفة أوجب الخيار له إذا بلغ، ولم يوجب ذلك مالك. وقال الشافعي: ليس لغير الأب إنكاحه.
وسبب اختلافهم: قياس غير الأب في ذلك على الأب. فمن رأى أن الاجتهاد الموجود فيه الذي جاز للأب به أن يزوج الصغير من ولده لا يوجد في غير الأب لم يجز ذلك ومن رأى أنه يوجد فيه أجاز ذلك. ومن فرق بين الصغير في ذلك والصغيرة فلان الرجل يملك الطلاق إذا بلغ ولا تملكه المرأة، ولذلك جعل أبو حنيفة لهما الخيار إذا بلغا.
وأما الموضع الثالث: وهو هل يجوز عقد النكاح على الخيار، فإن الجمهور على أنه لا يجوز، وقال أبو ثور يجوز. والسبب في اختلافهم: تردد النكاح بين البيوع التي لا يجوز فيها الخيار، والبيوع التي يجوز فيها الخيار، أو نقول إن الأصل في العقود أن لا خيار إلا ما وقع عليه النص وعلى المثبت للخيار الدليل، أو نقول إن أصل منع الخيار في البيوع هو الغرر والأنكحة لا غرر فيها، لان المقصود بها المكارمة لا المكايسة، ولان الحاجة إلى الخيار والرؤية في النكاح أشد منه في البيوع. وأما تراخي القبول من أحد الطرفين عن العقد، فأجاز مالك من ذلك التراخي اليسير، ومنعه قوم، وأجازه قوم وذلك مثل أن ينكح الولي امرأة بغير إذنها، فيبلغها النكاح فتجيزه، وممن منعه مطلقا الشافعي، وممن أجازه مطلقا أبو حنيفة وأصحابه، والتفرقة بين الامر الطويل والقصير لمالك. وسبب الخلاف: هل من شرط الانعقاد وجود القبول من المتعاقدين في وقت واحد معا، أم ليس ذلك من شرطه؟ ومثل هذا الخلاف عرض في البيع.