لان المساقاة تقتضي جواز ذلك، وهو خاص أيضا في بعض روايات أحاديث المساقاة، ولهذا المعنى لم يقل بهذه الزيادة مالك ولا الشافعي، أعني بما جاء من أنه (ص) ساقاهم على نصف ما تخرجه الأرض والثمرة وهي زيادة صحيحة وقال بها أهل الظاهر.
القول في صحة المساقاة والنظر في الصحة راجع إلى النظر في أركانها، وفي وقتها، وفي شروطها المشترطة في أركانها. وأركانها أربعة: المحل المخصوص بها، والجزء الذي تنعقد عليه. وصفة العمل الذي تنعقد عليه. والمدة التي تجوز فيها وتنعقد عليها.
الركن الأول: في محل المساقاة: واختلفوا في محل المساقاة، فقال داود: لا تكون المساقاة إلا في النخيل فقط، وقال الشافعي: في النخل والكرم فقط، وقال مالك: تجوز في كل أصل ثابت كالرمان والتين والزيتون وما أشبه ذلك من غير ضرورة، وتكون في الأصول غير الثابتة كالمقاثئ والبطيخ مع عجز صاحبها عنها، وكذلك الزرع، ولا تجوز في شئ من البقول عند الجميع إلا ابن دينار، فإنه أجازها فيه إذا نبتت قبل أن تستغل. فعمدة من قصره على النخل أنها رخصة، فوجب أن لا يتعدى بها محلها الذي جاءت فيه السنة. وأما مالك فرأى أنها رخصة ينقدح فيها سبب عام، فوجب تعدية ذلك إلى الغير. وقد يقاس على الرخص عند قوم إذا فهم هنالك أسباب أعم من الأشياء التي علقت الرخص بالنص بها، وقوم منعوا القيا س على الرخص، وأما داود فهو يمنع القياس على الجملة، فالمساقاة على أصوله مطردة، وأما الشافعي فإنما أجازها في الكرم من قبل أن الحكم في المساقاة هو بالخرص، وقد جاء في حديث عتاب بن أسيد الحكم بالخرص في النخل والكرم وإن كان ذلك في الزكاة، فكأنه قاس المساقاة في ذلك على الزكاة، والحديث الذي ورد عن عتاب بن أسيد هو أن رسول الله (ص) بعثه وأمره أن يخرص العنب وتؤدي زكاته زبيبا، كما تؤدي زكاة النخل تمرا ودفع داود حديث عتاب بن أسيد لأنه مرسل، ولأنه انفرد به عبد الرحمن بن إسحاق وليس بالقوي. واختلفوا إذا كان مع النخل أرض بيضاء أو مع الثمار، هل يجوز أن تساقى الأرض مع النخل بجزء من النخل أو بجزء من النخل وبجزء مما يخرج من الأرض؟ فذهب إلى جواز ذلك طائفة، وبه قال صاحبا أبي حنيفة والليث وأحمد والثوري وابن أبي ليلى وجماعة، وقال الشافعي وأهل الظاهر: لا تجوز المساقاة إلا في الثمر فقط، وأما مالك فقال: إذا كانت الأرض تبعا للثمر وكان الثمر أكثر ذلك، فلا بأس بدخولها في المساقاة، اشترط جزءا خارجا منها أو لم يشترطه، وحد ذلك الجزء بأن يكون الثلث فما دونه، أعني أن يكون مقدار كراء الأرض الثلث من الثمر فما دونه، ولم يجز أن يشترط رب الأرض أن يزرع البياض لنفسه، لأنها زيادة ازدادها