وجماعة من التابعين. وسبب الخلاف: هل قوله تعالى: * (فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم) * أي فإن فاءوا قبل انقضاء الأربعة الأشهر أو بعدها؟ فمن فهم منه قبل انقضائها قال: يقع الطلاق، ومعنى العزم عنده في قوله تعالى: * (وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم) * أن لا يفئ حتى تنقضي المدة. فمن فهم من اشتراط الفيئة اشتراطها بعد انقضاء المدة قال: معنى قوله * (وإن عزموا الطلاق) * أي باللفظ * (فإن الله سميع عليم) *. وللمالكية في الآية أربعة أدلة: أحدها: أنه جعل مدة التربص حقا للزوج دون الزوجة، فأشبهت مدة الاجل في الديون المؤجلة، الدليل الثاني: أن الله تعالى أضاف الطلاق إلى فعله. وعندهم ليس يقع من فعله إلا تجوزا: أعني ليس ينسب إليه على مذهب الحنفية إلا تجوزا، وليس يصار إلى المجاز عن الظاهر إلا بدليل.
الدليل الثالث: قوله تعالى: * (وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم) * قالوا: فهذا يقتضي وقوع الطلاق على وجه يسمع، وهو وقوعه باللفظ لا بانقضاء المدة. الرابع: أن الفاء في قوله تعالى: * (فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم) * ظاهرة في معنى التعقيب، فدل ذلك على أن الفيئة بعد المدة، وربما شبهوا هذه المدة بمدة العتق. وأما أبو حنيفة فإنه اعتمد في ذلك تشبيه هذه المدة بالعدة الرجعية إذ كانت العدة إنما شرعت لئلا يقع منه ندم، وبالجملة فشبهوا الايلاء بالطلاق الرجعي، وشبهوا المدة بالعدة وهو شبه قوي، وقد روي ذلك عن ابن عباس.
المسألة الثانية: وأما اختلافهم في اليمين التي يكون بها الايلاء، فإن مالكا قال: يقع الايلاء بكل يمين، وقال الشافعي: لا يقع إلا بالايمان المباحة في الشرع وهي اليمين بالله أو بصفة من صفاته، فمالك اعتمد العموم: أعني عموم قوله تعالى: * (للذين يولون من نسائهم تربص أربعة أشهر) * والشافعي يشبه الايلاء بيمين الكفارة، وذلك أن كلا اليمينين يترتب عليهما حكم شرعي، فوجب أن تكون اليمين التي ترتب عليها حكم الايلاء هي اليمين التي يترتب عليها الحكم الذي هو الكفارة.
المسألة الثالثة: وأما لحوق حكم الايلاء للزوج إذا ترك الوطئ بغير يمين، فإن الجمهور على أنه لا يلزمه حكم الايلاء بغير يمين، ومالك يلزمه وذلك إذا قصد الاضرار بترك الوطئ، وإن لم يحلف على ذلك، فالجمهور اعتمدوا الظاهر، ومالك اعتمد المعنى، لان الحكم إنما لزمه باعتقاده ترك الوطئ، وسواء شد ذلك الاعتقاد بيمين أو بغير يمين، لان الضرر يوجد في الحالتين جميعا.
المسألة الرابعة: وأما اختلافهم في مدة الايلاء، فإن مالكا ومن قال بقوله يرى أن مدة الايلاء يجب أن تكون أكثر من أربعة أشهر إذ كان الفئ عندهم إنما هو بعد الأربعة