العبد كالحال في النفس، ومنهم من رأى أنه يقتص لكل واحد منهما من كل واحد، ولم يفرق بين الجرح والنفس، ومنهم من فرق: فقال يقتص من الأعلى للأدنى في النفس والجرح ومنهم من قال: يقتص من النفس دون الجرح، وعن مالك الروايتان.
الصواب كما يقتص من النفس أن يقتص من الجر. فهذه هي حال العبيد مع الأحرار.
وأما حال العبيد بعضهم مع بعض، فإن للعلماء فيهم ثلاثة أقوال: أحدها: أن القصاص بينهم في النفس وما دونها، وهو قول الشافعي وجماعة، وهو مروي عن عمر بن الخطاب، وهو قول مالك. والقول الثاني: أنه لا قصاص بينهم لا في النفس ولا في الجرح وأنهم كالبهائم، وهو قول الحسن وابن شبرمة وجماعة. والثالث: أن القصاص بينهم في النفس دون ما دونها، وبه قال أبو حنيفة والثوري، وروي ذلك عن ابن مسعود.
وعمدة الفريق الأول: قوله تعالى: * (والعبد بالعبد) *. وعمدة الحنفية: ما روي عن عمران بن الحصين: أن عبدا لقوم فقراء قطع أذن عبد لقوم أغنياء، فأتوا رسول الله (ص) فلم يقتص منه فهذا هو حكم النفس.
القول في الجرح وأما الجرح فيشترط فيه أن يكون على وجه العمد أعني الجرح الذي يجب فيه القصاص، والجرح لا يخلو أن يكون يتلف جارحة من جوارح المجروح أو لا يتلف، فإن كان مما يتلف جارحة فالعمد فيه هو أن يقصد ضرب على وجه الغضب بما جرح غالبا. وأما إن جرحه على وجه اللعب، أو اللعب بما يجرح به غالبا أو على وجه الأدب، فيشبه أن يكون فيه الخلاف الذي يقع في القتل الذي يتولد عن الضرب في اللعب والأدب بما لا يقتل غالبا، فإن أبا حنيفة يعتبر الآلة حتى يقول إن القاتل بالمثقل لا يقتل وهو شذوذ منه، أعني بالخلاف هل فيه القصاص أو الدية إن كان الجرح مما فيه الدية. وأما إن كان الجرح قد أتلف جارحة من جوارح المجروح، فمن شرط القصاص فيه العمد أيضا بلا خلاف، وفي تمييز العمد منه من غير العمد خلاف. أما إذا ضربه على العضو نفسه فقطعه وضربه بآلة تقطع العضو غالبا، أو ضربة على وجه النائرة فلا خلاف أن فيه القصاص. وأما إن ضربه بلطمة أو سوط أو ما أشبه ذلك مما الظاهر منه أنه لم يقصد إتلاف العضو مثل أن يلطمه فيفقأ عينه، فالذي عليه الجمهور أنه شبه العمد ولا قصاص فيه، وفيه الدية مغلظة في ماله، وهي رواية العراقيين عن مالك، والمشهور في المذهب أن ذلك عمد وفيه القصاص، إلا في الأدب مع ابنه، وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إلى أن شبه العمد إنما هو في النفس لا في الجرح. وأما إن جرحه فأتلف عضوا على وجه اللعب ففيه قولان: أحدهما: وجوب القصاص، والثاني: نفيه. وما يجب على هذين القولين ففيه القولان قيل: الدية مغلظة، وقيل دية الخطأ، أعني فيما فيه