كتاب السرقة والنظر في هذا الكتاب في حد السرقة، وفي شروط المسروق الذي يجب به الحد، وفي صفات السار الذي يجب عليه الحد، وفي العقوبة، وفيما تثبت به هذه الجناية. فأما السرقة ، فهي أخذ مال الغير مستترا من غير أن يؤتمن عليه، وإنما قلنا هذا لأنهم أجمعوا أنه ليس في الخيانة ولا في الاختلاس قطع إلا إياس بن معاوية، فإنه أوجب في الخلسة القطع، وذلك مروي عن النبي عليه الصلاة والسلام. وأوجب أيضا قوم القطع على من استعار حليا أو متاعا ثم جحده لمكان حديث المرأة المخزومية المشهورة أنها كانت تستعير الحلي، وأن رسول الله (ص) قطعها لموضع جحودها. وبه قال أحمد وإسحاق، والحديث حديث عائشة قالت: كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بقطع يدها، فأتى أسامة أهلها فكلموه، فكلم أسامة النبي عليه الصلاة والسلام، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: يا أسامة لا أراك تتكلم في حد من حدود الله، ثم قام النبي عليه الصلاة والسلام خطيبا فقال: إنما أهلك من كان قبلكم أنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعتها. ورد الجمهور هذا الحديث لأنه مخالف للأصول، وذلك أن المعار مأمون وأنه يأخذ بغير إذن فضلا أن يأخذ من حرز، قالوا: وفي حديث حذف، وهو أنها سرقت مع أنها جحدت، ويدل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: إنما أهلك من كان قبلكم أنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه قالوا: وروى هذا الحديث الليث بن سعد عن الزهري بإسناده، فقال فيه: إن المخزومية سرقت، وهذا يدل على أنها فعلت الامرين جميعا الجحد والسرقة. وكذلك أجمعوا على أنه ليس على الغاصب ولا على المكابر المغالب قطع إلا أن يكون قاطع طريق شاهرا للسلاح على المسلمين مخيفا للسبيل، فحكمه حكم المحارب، على ما سيأتي في حد المحارب. وأما السارق الذي يجب عليه حد السرقة، فإنهم اتفقوا على أن من شرطه أن يكون مكلفا، وسواء أكان حرا أو عبدا، ذكرا أو أنثى، مسلما، أو ذميا، إلا ما روي في الصدر الأول من الخلاف في قطع يد العبد الآبق إذا سرق، وروي ذلك عن ابن عباس وعثمان ومروان وعمر بن عبد العزيز،
(٣٦٦)