تترجح بالعدد وإذا تساوت في العدالة فذلك عند مالك كلا بينة يحلف المدعى عليه، فإن نكل حلف المدعي ووجب الحق، لان يد المدعى عليه شاهدة له، ولذلك جعل دليله الدليلين: أعني اليمين. وأما إذا أقر الخصم فإن كان المدعى فيه عينا فلا خلاف أنه يدفع إلى مدعيه. وأما إذا كان مالا في الذمة، فإنه يكلف المقر غرمه فإن ادعى العدم حبسه القاضي عند مالك حتى يتبين عدمه، أما بطول السجن والبينة إن كان متهما فإذا لاح عسره خلي سبيله لقوله تعالى: * (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) *. وقال قوم: يؤاجره، وبه قال أحمد. وروي عن عمر بن عبد العزيز، وحكي عن أبي حنيفة أن لغرمائه أن يدوروا معه حيث دار، ولا خلاف أن البينة إذا جرحها المدعى عليه أن الحكم يسقط إذا كان التجريح قبل الحكم، وإن كان بعد الحكم لم ينتقض عند مالك، وقال الشافعي: ينتقض. وأما إن رجعت البينة عن الشهادة، فلا يخلو أن يكون ذلك قبل الحكم أو بعده، فإن كان قبل الحكم فالأكثر أن الحكم لا يثبت، وقال بعض الناس: يثبت. وإن كان بعد الحكم. فقال مالك: يثبت الحكم.
وقال غيره لا يثبت الحكم. وعند مالك أن الشهداء يضمنون ما أتلفوا بشهادتهم. فإن كان مالا ضمنوه على كل حال، قال عبد الملك: لا يضمنون في الغلط، وقال الشافعي: لا يضمنون المال. وإن كان دما فإن ادعوا الغلط ضمنوا الدية. وإن أقروا أقيد منهم على قول أشهب، ولم يقتص منهم على قول ابن القاسم.
الباب السادس:
في وقت القضاء وأما متى يقضي، فمنها ما يرجع إلى حال القاضي في نفسه، ومنها ما يرجع إلى وقت إنفاذ الحكم وفصله، ومنها ما يرجع إلى وقت توقيف المدعي فيه وإزالة اليد عنه إذا كان غبنا. فأما متى يقضي القاضي؟ فإذا لم يكن مشغول النفس لقوله عليه الصلاة والسلام: لا يقضي القاضي حين يقضي وهو غضبان ومثل هذا عند مالك أن يكون عطشانا أو جائعا أو خائفا أو غير ذلك من العوارض التي تعوقه عن الفهم، لكن إذا قضى في حال من هذه الأحوال بالصواب فاتفقوا - فيما أعلم - على أنه ينفذ حكمه، ويحتمل أن يقال: ينفذ فيما وقع عليه النص وهو الغضبان، لان النهي يدل على فساد المنهي عنه. وأما متى ينفذ الحكم عليه فبعد ضرب الاجل والاعذار إليه، ومعنى نفوذ هذا، هو أن يحق حجة المدعي أو يدحضها، وهل له أن يسمع حجة بعد الحكم؟ فيه اختلاف من قول مالك، والأشهر أنه يسمع فيما كان حقا لله مثل الاحباس والعتق ولا يسمع في غير ذلك. وقيل لا يسمع بعد نفوذ الحكم وهو الذي يسمى التعجيز وقيل: لا يسمع منهما جميعا، وقيل بالفرق بين المدعي والمدعى عليه، وهو ما إذا أقر بالعجز. وأما وقت التوقيف فهو عند الثبوت وقبل الاعذار، وهو إذا لم يرد الذي استحق