الجزء الثاني وإذا اعتبرت الأسباب التي من قبلها ورد النهي الشرعي في البيوع، وهي أسباب الفساد العامة وجدت أربعة: أحدها: تحريم عين المبيع. والثاني: الربا.
والثالث: الغرر. والرابع: الشروط التي تؤول إلى أحد هذين أو لمجموعهما. وهذه الأربعة هي بالحقيقة أصول الفساد، وذلك أن النهي إنما تعلق فيها بالبيع من جهة ما هو بيع لا لأمر من خارج. وأما التي ورد النهي فيها لأسباب من خارج. فمنها الغش ومنها الضرر، ومنها لمكان الوقت المستحق بما هو أهم منه، ومنها لأنها محرمة البيع، ففي هذا الجزء أبواب:
الباب الأول: في الأعيان المحرمة البيع وهذه على ضربين: نجاسات، وغير نجاسات. فأما بيع النجاسات فالأصل في تحريمها حديث جابر، ثبت في الصحيحين قال: قال رسول الله (ص) إن الله ورسوله حرما بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل: يا رسول الله.. أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويستصبح بها؟ فقال: لعن الله اليهود.. حرمت الشحوم عليهم فباعوها وأكلوا أثمانها وقال في الخمر إن الذي حرم شربها حرم بيعها والنجاسات على ضربين: ضرب اتفق المسلمون على تحريم بيعها وهي الخمر وأنها نجسة، إلا خلافا شاذا في الخمر: أعني في كونها نجسة، والميتة بجميع أجزائها التي تقبل الحياة، وكذلك الخنزير بجميع أجزائه التي تقبل الحياة. واختلف في الانتفاع بشعره، فأجازه ابن القاسم ومنعه أصبغ. وأما القسم الثاني: وهي النجاسات التي تدعو الضرورة إلى استعمالها كالرجيع والزبل الذي يتخذ في البساتين، فاختلف في بيعها في المذهب فقيل بمنعها مطلقا، وقيل بإجازتها مطلقا، وقيل بالفرق بين العذرة والزبل: أعني إباحة الزبل ومنع العذرة. واختلفوا فيما يتخذ من أنياب الفيل لاختلافهم هل هو نجس أم لا؟ فمن رأى أنه ناب جعله ميتة، ومن رأى أنه قرن معكوس جعل حكمه حكم القرن، والخلاف فيه في المذهب. وأما ما حرم بيعه مما ليس بنجس أو مختلف في نجاسته، فمنها الكلب والسنور. أما الكلب فاختلفوا في بيعه، فقال الشافعي: لا يجوز بيع الكلب أصلا. وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك. وفرق أصحاب مالك بين كلب الماشية والزرع المأذون في اتخاذه وبين ما لا يجوز اتخاذه، فاتفقوا على أن ما لا يجوز اتخاذه لا يجوز بيعه للانتفاع به وإمساكه. فأما من أراده للأكل فاختلفوا فيه، فمن أجاز أكله أجاز بيعه، ومن لم يجزه على رواية ابن حبيب لم يجز بيعه. واختلفوا أيضا في المأذون في اتخاذه، فقيل هو حرام، وقيل مكروه. فأما الشافعي فعمدته شيئان: أحدهما: ثبوت النهي الوارد عن ثمن الكلب عن النبي (ص). والثاني: أن الكلب عنده نجس العين كالخنزير، وقد ذكرنا دليله في ذلك في كتاب الطهارة. وأما من أجاز فعمدته أنه طاهر العين غير محرم الأكل،