معرفة ما للمرتهن وما عليه، اختلافهما في ذلك، وذلك إما من نفس العقد، وإما لأمور طارئة على الرهن، ونحن نذكر من ذلك ما اشتهر الخلاف فيه بين فقهاء الأمصار، والاتفاق. أما حق المرتهن في الرهن فهو أن يمسكه حتى يؤدي الراهن ما عليه، فإن لم يأت به عند الاجل كان له أن يرفعه إلى السلطان، فيبيع عليه الرهن وينصفه منه إن لم يجبه الراهن إلى البيع، وكذلك إن كان غائبا. وإن وكل الراهن المرتهن على بيع الرهن عند حلول الأجل جاز، وكرهه مالك إلا أن يرفع الامر إلى السلطان. والرهن عند الجمهور يتعلق بجملة الحق المرهون فيه وببعضه، أعني أنه إذا رهنه في عدد ما فأدى منه بعضه، فإن الرهن بأسره يبقى بعد بيد المرتهن حتى يستوفي حقه، وقال قوم: بل يبقى من الرهن بيد المرتهن بقدر ما يبقى من الحق وحجة الجمهور أنه محبوس بحق، فوجب أن يكون محبوسا بكل جزء منه أصله حبس التركة على الورثة حتى يؤدوا الدين الذي على الميت، وحجة الفريق الثاني أن جميعه محبوس بجميعه، فوجب أن يكون أبعاضه محبوسة بأبعاضه، أصله الكفالة.
ومن مسائل هذا الباب المشهورة اختلافهم في نماء الرهن المنفصل مثل الثمرة في الشجر المرهون، ومثل الغلة، ومثل الولد هل يدخل في الرهن أم لا؟ فذهب قوم إلى أن نماء الرهن المنفصل لا يدخل شئ منه في الرهن: أعني الذي يحدث منه في يد المرتهن، وممن قال بهذا القول الشافعي، وذهب آخرون إلى أن جميع ذلك يدخل في الرهن، وممن قال بهذا القول أبو حنيفة والثوري وفرق مالك فقال: ما كان من نماء الرهن المنفصل على خلقته وصورته، فإنه داخل في الرهن كولد الجارية مع الجارية وأما ما لم يكن على خلقته فإنه لا يدخل في الرهن كان متولدا عنه كثمر النخل أو غير متولد ككراء الدار وخراج الغلام. وعمدة من رأى أن نماء الرهن وغلته للراهن قوله عليه الصلاة والسلام:
الرهن محلوب ومركوب قالوا: ووجه الدليل من ذلك أنه لم يرد بقوله مركوب ومحلوب أي يركبه الراهن ويحلبه، لأنه كأن يكون غير مقبوض، وذلك مناقض لكونه رهنا، فإن الرهن من شرطه القبض، قالوا: ولا يصح أن يكون معناه أن المرتهن يحلبه ويركبه، فلم يبق إلا أن يكون المعنى في ذلك أن أجرة ظهره لربه ونفقته عليه. واستدلوا أيضا بعموم قوله عليه الصلاة والسلام: الرهن ممن رهنه له غنمه وعليه غرمه قالوا:
ولأنه نماء زائد على ما رضيه رهنا، فوجب أن لا يكون له إلا بشرط زائد. وعمدة أبي حنيفة أن الفروع تابعة للأصول فوجب لها حكم الأصل، ولذلك حكم الولد تابع لحكم أمه في التدبير والكتابة، وأما مالك فاحتج بأن الولد حكمه حكم أمه في البيع: أي هو تابع لها، وفرق بين الثمر والولد في ذلك بالسنة المفرقة في ذلك، وذلك أن الثمر لا يتبع بيع الأصل إلا بالشرط وولد الجارية يتبع بغير شرط. والجمهور على أن ليس للمرتهن أن ينتفع