المشترط في جواز عقدها فإنهم اتفقوا على أنها تجوز قبل بدو الصلاح. واختلفوا في جواز ذلك بعد بدو الصلاح، فذهب الجمهور من القائلين بالمساقاة على أنه لا يجوز بعد بدو الصلاح. وقال سحنون من أصحاب مالك: لا بأس بذلك. واختلف قول الشافعي في ذلك، فمرة قال: لا يجوز، ومرة قال: يجوز، وقد قيل عنه إنها لا تجوز إذا خلق الثمر.
وعمدة الجمهور أن مساقاة ما بدا صلاحه من الثمر ليس فيه عمل ولا ضرورة داعية إلى المساقاة إذ كان يجوز بيعه في ذلك الوقت. قالوا: وإنما هي إجارة إن وقعت. وحجة من أجازها أنه إذا جازت قبل أن يخلق الثمر فهي بعد بدو الصلاح أجوز، ومن هنا لم تجز عندهم مساقاة البقول لأنه يجوز بيعها، أعني عند الجمهور. وأما الوقت الذي هو شرط في مدة المساقاة، فإن الجمهور على أنه لا يجوز أن يكون مجهولا - أعني مدة غير مؤقتة - وأجاز طائفة أن يكون إلى مدة غير مؤقتة منهم أهل الظاهر. وعمدة الجمهور ما يدخل في ذلك من الغرر قياسا على الإجارة، وعمدة أهل الظاهر ما وقع في مرسل مالك من قوله (ص) أقركم على ما أقركم الله وكره مالك المساقاة فيما طال من السنين، وانقضاء السنين فيها هو بالجذ لا بالأهلة. وأما هل اللفظ شرط في هذا العقد؟ فاختلفوا في ذلك، فذهب ابن القاسم إلى أن من شرط صحتها أن لا تنعقد إلا بلفظ المساقاة، وأنه ليس تنعقد بلفظ الإجارة، وبه قال الشافعي، وقال غيرهم: تنعقد بلفظ الإجارة، وهو قياس قول سحنون.
القول في أحكام الصحة والمساقاة عند مالك من العقود اللازمة باللفظ لا بالعمل بخلاف القراض عنده الذي ينعقد بالعمل لا باللفظ، وهو عند مالك عقد موروث، ولورثة المساقي أن يأتوا بأمين يعمل إن لم يكونوا أمناء، وعليه العمل إن أبى الورثة من تركته، وقال الشافعي إذا لم يكن له تركة سلم إلى الورثة رب المال أجرة ما عمل وفسد العقد، وإن كانت له تركة لزمته المساقاة. وقال الشافعي: تنفسخ المساقاة بالعجز، ولم يفصل. وقال مالك:
إذا عجز وقد حل بيع الثمر لم يكن له أن يساقي غيره ووجب عليه أن يستأجر من يعمل، وإن يكن له شئ استؤجر من حظه من الثمر، وإذا كان العامل لصا أو ظالما لم ينفسخ العقد بذلك عند مالك. وحكي عن الشافعي أنه قال: يلزمه أن يقيم غيره للعمل، وقال الشافعي: إذا هرب العامل قبل تمام العمل استأجر القاضي عليه من يعمل عمله. ويجوز عند مالك أن يشترط كل واحد منهما على صاحبه الزكاة بخلاف القراض ونصابهما عنده نصاب الرجل الواحد بخلاف قوله في الشركاء. وإذا اختلف رب المال والعامل في مقدار ما وقعت عليه المساقاة من الثمر، فقال مالك: القول قول العامل مع يمينه إذا أتى بما يشبه، وقال الشافعي: يتحالفان ويتفاسخان، وتكون للعامل الأجرة شبههه بالبيع وأوجب مالك اليمين في حق العامل لأنه مؤتمن، ومن