كتاب الكفالة واختلف العلماء في نوعها وفي وقتها، وفي الحكم اللازم عنها، وفي شروطها، وفي صفة لزومها، وفي محلها، ولها أسماء: كفالة، وحمالة، وضمانة، وزعامة، فأما أنواعها فنوعان: حمالة بالنفس، وحمالة بالمال. أما الحمالة بالمال فثابتة بالسنة ومجمع عليها من الصدر الأول ومن فقهاء الأمصار. وحكي عن قوم أنها ليست لازمة تشبيها بالعدة وهو شاذ. والسنة التي صار إليها الجمهور في ذلك هو قوله عليه الصلاة والسلام: الزعيم غارم. وأما الحمالة بالنفس وهي التي تعرف بضمان الوجه، فجمهور فقهاء الأمصار على جواز وقوعها شرعا إذا كانت بسبب المال.
وحكي عن الشافعي في الجديد أنها لا تجوز، وبه قال داود، وحجتهما قوله تعالى: * (قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده) * ولأنها كفالة بنفس فأشبهت الكفالة في الحدود. وحجة من أجازها عموم قوله عليه الصلاة والسلام: الزعيم غارم وتعلقوا بأن ذلك مصلحة، وأنه مروي عن الصدر الأول. وأما الحكم اللازم عنها، فجمهور القائلين بحمالة النفس متفقون على أن المتحمل عنه إذا مات لم يلزم الكفيل بالوجه شئ، وحكي عن بعضهم لزوم ذلك. وفرق ابن القاسم بين أن يموت الرجل حاضرا أو غائبا فقال: إن مات حاضرا لم يلزم الكفيل شئ، وإن مات غائبا نظر، فإن كانت المسافة التي بين البلدين مسافة يمكن الحميل فيها إحضاره في الاجل المضروب له في إحضاره، وذلك في نحو اليومين إلى الثلاثة ففرط غرم وإلا لم يغرم. واختلفوا إذا غاب المتحمل عنه ما حكم الحميل بالوجه؟ على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه يلزمه أن يحضره أو يغرم، وهو قول مالك وأصحابه وأهل المدينة. والقول الثاني: أنه يحبس الحميل إلى أن يأتي به أو يعلم موته، وهو قول أبي حنيفة وأهل العراق. والقول الثالث: أنه ليس عليه إلا أن يأتي به إذا علم موضعه، ومعنى ذلك أن لا يكلف إحضاره إلا مع العلم بالقدرة على إحضاره، فإن ادعى الطالب معرفة موضعه على الحميل، وأنكر الحميل كلف الطالب بيان ذلك. قالوا: ولا يحبس الحميل إلا إذا كان المحتمل عنه معلوم الموضع، فيكلف حينئذ إحضاره، وهذا القول حكاه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه في الفقه عن جماعة من الناس، واختاره. وعمدة مالك أن المتحمل