بسم الله الرحمن الرحيم وصل الله على سيدنا محمد واله وصحبه وسلم تسليما.
كتاب الايلاء والأصل في هذا الباب قوله تعالى: * (للذين يولون من نسائهم تربص أربعة أشهر) * والايلاء: هو أن يحلف الرجل أن لا يطأ زوجته إما مدة هي أكثر من أربعة أشهر أو أربعة أشهر أو بإطلاق، على الاختلاف المذكور في ذلك فيما بعد. واختلف فقهاء الأمصار في الايلاء في مواضع: فمنها هل تطلق المرأة بانقضاء الأربعة الأشهر المضروبة بالنص للمولي، أم إنما تطلق بأن يوقف بعد الأربعة الأشهر؟ فإما فاء وإما طلق؟ ومنها هل الايلاء يكون بكل يمين، أم بالايمان المباحة في الشرع فقط؟ ومنها إذا أمسك عن الوطئ بغير يمين هل يكون موليا أم لا؟ ومنها هل المولي هو الذي قيد يمينه بمدة من أربعة أشهر فقط أو أكثر من ذلك؟ أو المولي هو الذي لم يقيد يمينه بمدة أصلا؟ ومنها هل طلاق الايلاء بائن أو رجعي؟ ومنها إن أبى الطلاق والفئ هل يطلق القاضي عليه أم لا؟ ومنها هل يتكرر الايلاء إذا طلقها ثم راجعها من غير إيلاء حادث في الزواج الثاني؟ ومنها هل من شرط رجعة المولي أن يطأ في العدة أم لا؟ ومنها هل إيلاء العبد حكمه أن يكون مثل إيلاء الحر أم لا؟ ومنها هل إذا طلقها بعد انقضاء مدة الايلاء تلزمها عدة أم لا؟ فهذه هي مسائل الخلاف المشهورة في الايلاء بين فقهاء الأمصار التي تتنزل من هذا الباب منزلة الأصول، ونحن نذكر خلافهم في مسألة مسألة منها، وعيون أدلتهم وأسباب خلافهم على ما قصدنا.
المسألة الأولى: أما اختلافهم هل تطلق بانقضاء الأربعة الأشهر نفسها أم لا تطلق وإنما الحكم أن يوقف فإما فاء وإما طلق؟ فإن مالكا والشافعي وأحمد وأبا ثور وداود والليث ذهبوا إلى أنه يوقف بعد انقضاء الأربعة الأشهر، فإما فاء وإما طلق، وهو قول علي وابن عمر، وإن كان قد روي عنهما غير ذلك، لكن الصحيح هو هذا، وذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري وبالجملة الكوفيون إلى أن الطلاق يقع بانقضاء الأربعة الأشهر إلا أن يفئ فيها، وهو قول ابن مسعود