شاهداك أو يمينه فقلت: إذن يحلف ولا يبالي. فقال النبي (ص) من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان قالوا: فهذا منه عليه الصلاة والسلام حصر للحكم ونقض لحجة كل واحد من الخصمين، ولا يجوز عليه (ص) ألا يستوفي أقسام الحجة للمدعي. والذين قالوا باليمين مع الشاهد هم على أصلهم في أن اليمين هي حجة أقوى المتداعيين شبهة. وقد قويت هنا حجة المدعي بالشاهد كما قويت في القسامة. وهؤلاء اختلفوا في القضاء مع المرأتين. فقال مالك: يجوز لان المرأتين قد أقيمتا مقام الواحد، وقال الشافعي: لا يجوز له، لأنه إنما أقيمت مقام الواحد مع الشاهد الواحد لا مفردة ولا مع غيره. وهل يقضي باليمين في الحدود التي هي حق للناس مثل القذف والجراح؟ فيه قولان في المذهب.
الفصل الثالث:
النكول وأما ثبوت الحق على المدعى عليه بنكوله، فإن الفقهاء أيضا اختلفوا في ذلك، فقال مالك والشافعي وفقهاء أهل الحجاز وطائفة من العراقيين: إذا نكل المدعى عليه لم يجب للمدعي شئ بنفس النكول، إلا أن يحلف المدعي أو يكون له شاهد واحد، وقال أبو حنيفة وأصحابه وجمهور الكوفيين: يقضي للمدعي على المدعى عليه بنفس النكول، وذلك في المال بعد أن يكرر عليه اليمين ثلاثا. وقلب اليمين عند مالك يكون في الموضع الذي يقبل فيه شاهد وامرأتان، وشاهد ويمين، وقلب اليمين عند الشافعي يكون في كل موضع يجب فيه اليمين، وقال ابن أبي ليلى: أردها في غير التهمة. ولا أردها في التهمة. وعند مالك في يمين التهمة هل تنقلب أم لا؟ قولان. فعمدة من رأى أن تنقلب ما رواه مالك من أن رسول الله (ص) رد في القسامة على اليهود بعد أن بدأ بالأنصار.
ومن حجة مالك أن الحقوق عنده إنما تثبت بشيئين: إما بيمين وشاهد، وإما بنكول وشاهد، وإما بنكول ويمين، أصل ذلك عند اشتراط الاثنينية في الشهادة، وليس يقضي عند الشافعي بشاهد ونكول. وعمدة من قضى بالنكول أن الشهادة لما كانت لاثبات الدعوى، واليمين لابطالها وجب إن نكل عن اليمين أن تحقق عليه الدعوى، قالوا: وأما نقلها من المدعى عليه إلى المدعي فهو خلاف للنص، لان اليمين قد نص على أنها دلالة المدعى عليه. فهذه أصول الحجج التي يقضي بها القاضي. ومما اتفقوا عليه في هذا الباب أنه يقضي القاضي بوصول كتاب قاض آخر إليه. لكن هذا عند الجمهور ما اقتران الشهادة به، أعني إذا أشهد القاضي الذي يثبت عنده الحكم شاهدين عدلين أن الحكم ثابت عنده - أعني المكتوب في الكتاب الذي أرسله إلى القاضي الثاني، فشهدا عند القاضي الثاني أنه كتابه. وأنه أشهدهم بثبوته، وقد قيل: إنه يكتفي فيه بخط القاضي، وأنه كان به العمل الأول. واختلف مالك والشافعي وأبو حنيفة إن أشهدهم على الكتابة ولم يقرأه