وقال الشافعي تنتقل في الوجهين معا. وسبب الخلاف: هل العدة من أحكام الزوجية أم من أحكام انفصالها؟ فمن قال من أحكام الزوجية قال: لا تنتقل عدتها، ومن قال من أحكام انفصال الزوجية قال: تنتقل كما لو أعتقت وهي زوجة ثم طلقت، وأما من فرق بين البائن والرجعي فبين، وذلك أن الرجعي فيه شبه من أحكام العصمة، ولذلك وقع فيه الميراث باتفاق إذا مات وهي في عدة من طلاق رجعي، وأنها تنتقل إلى عدة الموت، فهذا هو القسم الأول من قسمي النظر في العدة.
القسم الثاني: وأما النظر في أحكام العدد، فإنهم اتفقوا على أن للمعتدة الرجعية النفقة والسكنى، وكذلك الحامل لقوله تعالى في الرجعيات: * (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) * الآية ولقوله تعالى: * (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) *. واختلفوا في سكنى المبتوتة ونفقتها إذا لم تكن حاملا على ثلاثة أقوال: أحدها:
أن لها السكنى والنفقة، وهو قول الكوفيين. والقول الثاني: أنه لا سكنى لها ولا نفقة، وهو قول أحمد وداود وأبي ثور وإسحاق وجماعة. الثالث: أن لها السكنى ولا نفقة لها، وهو قول مالك والشافعي وجماعة. وسبب اختلافهم: اختلاف الرواية في حديث فاطمة بنت قيس ومعارضة ظاهر الكتاب له، فاستدل من لم يوجب لها نفقة ولا سكنى بما روي في حديث فاطمة بنت قيس أنها قالت طلقني زوجي ثلاثا على عهد رسول الله (ص)، فأتيت النبي (ص) فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة خرجه مسلم، وفي بعض الروايات أن رسول الله (ص) قال: إنما السكنى والنفقة لمن لزوجها عليها الرجعة وهذا قول مروي عن علي وابن عباس وجابر بن عبد الله. وأما الذين أوجبوا لها السكنى دون النفقة فإنهم احتجوا بما رواه مالك في موطئه من حديث فاطمة المذكورة، وفيه: فقال رسول الله (ص) ليس لك عليه نفقة وأمرها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم، ولم يذكر فيها اسقاط السكنى، فبقي على عمومه في قوله تعالى: * (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) * وعللوا أمره عليه الصلاة والسلام بأن تعتد في بيت ابن أم مكتوم بأنه كان في لسانها بذاء. وأما الذين أوجبوا لها السكنى والنفقة فصاروا إلى وجوب السكنى لها بعموم قوله تعالى: * (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) * وصاروا إلى وجوب النفقة لها لكون النفقة تابعة لوجوب الاسكان في الرجعية وفي الحامل وفي نفس الزوجية. وبالجملة فحيثما وجبت السكنى في الشرع وجبت النفقة، وروي عن عمر أنه قال في حديث فاطمة هذا: لا ندع كتاب نبينا وسنته لقول امرأة، يريد قوله تعالى: * (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) * الآية.
ولان المعروف من سنته عليه الصلاة والسلام أنه أوجب النفقة حيث تجب السكنى، فلذلك