الجار وصححه الترمذي ومن طريق المعنى لهم أيضا أنه لما كانت الشفعة إنما المقصود منها دفع الضرر الداخل من الشركة، وكان هذا المعنى موجودا في الجار وجب أن يلحق به، ولأهل المدينة أن يقولوا: وجود الضرر في الشركة أعظم منه في الجوار.
وبالجملة فعمدة المالكية أن الأصول تقتضي أن لا يخرج ملك أحد من يده إلا برضاه، وأن من اشترى شيئا فلا يخرج من يده إلا برضاه حتى يدل الدليل على التخصيص، وقد تعارضت الآثار في هذا الباب، فوجب أن يرجح ما شهدت له الأصول، ولكلا القولين سلف متقدم لأهل العراق من التابعين، ولأهل المدينة من الصحابة.
الركن الثاني: وهو المشفوع فيه، اتفق المسلمون على أن الشفعة واجبة في الدور والعقار والأرضين كلها، واختلفوا فيما سوى ذلك، فتحصيل مذهب مالك أنها في ثلاثة أنواع: أحدها: مقصود، وهو العقار من الدور والحوانيت والبساتين. والثاني: ما يتعلق بالعقار مما هو ثابت لا ينقل ولا يحول، وذلك كالبئر ومحال النخل، ما دام الأصل فيها على صفة تجب فيها الشفعة عنه، وهو أن يكون الأصل هو الأرض مشاعا بينه وبين شريكه غير مقسوم. والثالث: ما تعلق بهذه كالثمار، وفيها عنه خلاف، وكذلك كراء الأرض للزرع وكتابة المكاتب. واختلف عنه في الشفعة في الحمام والرحا، وأما ما عدا هذا من العروض والحيوان فلا شفعة فيها عنده، وكذلك لا شفعة عنده في الطريق ولا في عرصة الدار. واختلف عنه في أكرية الدور، وفي المساقاة وفي الدين، هل يكون الذي عليه الدين أحق به؟ وكذلك الذي عليه الكتابة، وبه قال عمر بن عبد العزيز. وروي أن رسول الله (ص) قضى بالشفعة في الدين وبه قال أشهب من أصحاب مالك، وقال ابن القاسم: لا شفعة في الدين. ولم يختلفا في إيجابها في الكتابة لحرمة العتق. وفقهاء الأمصار على أن شفعة إلا في العقار فقط. وحكي عن قوم أن الشفعة في البئر وفي كل شئ ما عدا المكيل والموزون، ولم يجز أبو حنيفة الشفعة في البئر والفحل، وأجازها في العرصة والطريق، ووافق الشافعي مالكا في العرصة وفي الطريق وفي البئر، وخالفاه جميعا في الثمار. وعمدة الجمهور في قصر الشفعة على العقار ما ورد في الحديث الثابت من قوله عليه الصلاة والسلام: الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة فكأنه قال: الشفعة فيما تمكن فيه القسمة ما دام لم يقسم، وهذا استدلال بدليل الخطاب، وقد أجمع عليه في هذا الموضع فقهاء الأمصار مع اختلافهم في صحة الاستدلال به. وأما عمدة من أجازها في كل شئ فما خرجه الترمذي عن ابن عباس: أن رسول الله (ص) قال:
الشريك شفيع في كل شئ ولان معنى ضرر الشركة والجوار موجود في كل شئ وإن كان العقار أظهر، ولما لحظ هذا مالك أجرى ما يتبع العقار مجرى العقار.
واستدل أبو حنيفة على منع الشفعة في البئر بما روي لا شفعة في بئر ومالك حمل هذا