الفصل الثاني:
في الاستفادات التي يشترط في بيعها القبض من التي لا يشترط وأما ما يعتبر ذلك فيه مما لا يعتب، فإن العقود تنقسم أولا إلى قسمين: قسم يكون بمعاوضة، وقسم يكون بغير معاوضة كالهبات والصدقات، والذي يكون بمعاوضة ينقسم ثلاثة أقسام: أحدها: يختص بقصد المغابنة والمكايسة وهي البيوع والإجارات والمهور والصلح والمال المضمون بالتعدي وغيره. والقسم الثاني: لا يختص بقصد المغابنة، وإنما يكون على جهة الرفق وهو القرض. والقسم الثالث: فهو ما يصح أن يقع على الوجهين جميعا. أعني على قصد المغابنة وعلى قصد الرفق كالشركة والإقالة والتولية. وتحصيل أقوال العلماء في هذه الأقسام: أما ما كان بيعا وبعوض فلا خلاف في اشتراط القبض فيه، وذلك في الشئ الذي يشترط فيه القبض واحد واحد من العلماء، وأما ما كان خالصا للرفق، أعني القرض، فلا خلاف أيضا أن القبض ليس شرطا في بيعه أعني أنه يجوز للرجل أن يبيع القرض قبل أن يقبضه. واستثنى أبو حنيفة مما يكون بعوض المهر والخلع، فقال: يجوز بيعهما قبل القبض. وأما العقود التي تتردد بين قصد الرفق والمغابنة وهي التولية والشركة والإقالة. فإذا وقعت على وجه الرفق من غير أن تكون الإقالة أو التولية بزيادة أو نقصان. فلا خلاف أعلمه في المذهب أن ذلك جائز قبل القبض وبعده. وقال أبو حنيفة والشافعي: لا تجوز الشركة ولا التولية قبل القبض. وتجوز الإقالة عندهما لأنها قبل القبض فسخ بيع، لا بيع. فعمدة من اشترط القبض في جميع المعاوضات أنها في معنى البيع المنهي عنه، وإنما استثنى مالك من ذلك التولية والإقالة والشركة للأثر والمعنى. أما الأثر فما رواه من مرسل سعيد بن المسيب أن رسول الله (ص) قال: من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه إلا ما كان من شركة أو تولية أو إقالة وأما من طريق المعنى فإن هذه إنما يراد بها الرفق لا المغابنة إذا لم تدخلها زيادة أو نقصان. وإنما استثنى من ذلك أبو حنيفة الصداق والخلع والجعل، لان العوض في ذلك ليس بينا إذا لم يكن عينا.
الفصل الثالث:
في الفرق بين ما يباع من الطعام مكيلا وجزافا وأما اشتراط القبض فيما بيع من الطعام جزافا، فإن مالكا رخص فيه وأجازه وبه قال الأوزاعي، ولم يجز ذلك أبو حنيفة والشافعي وحجتهما عموم الحديث المتضمن للنهي عن بيع الطعام قبل قبضه لان الذريعة موجودة في الجزاف وغير الجزاف. ومن الحجة لهما ما روي عن ابن عمر أنه قال: كنا في زمان رسول الله (ص) نبتاع الطعام جزافا، فبعث